((يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ))
ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟
ما الذي غرَّك حتى تجاوزت حدود الله؟
ما الذي أجهلك حتى انتهكت حرمات الله؟
يا أيها الإنسان! أما كنت نطفة؟
أما كنت ماء؟
أما كنت في عالم العدم؟
((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ)).
مسكين هذا الإنسان… حقير هذا الإنسان… صغير هذا الإنسان، أتى من ماء وأتى من عالم العدم وأتى من نطفة، فلما مشى على الأرض تكبَّر وتجبر ونسي الله الواحد الأحد.
في المسند للإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن جحش قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاقاً ثم وضعه في راحته ثم أخذ يديره بأصبعه ويقول: يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم خلقتك من مثل هذا ثم ربيتك، فلما تربيت جمعت ومنعت ومشيت على الأرض وللأرض منك وئيد، ثم قلت: لن يعيدني كما أنشأني أول مرة) (1) .
ثم قال سبحانه وتعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ))،
من هذا المجرم الذي اعترض على قدرة الله؟
هذا المجرم هو: العاص بن وائل الذي أكثر الله ماله وولده ولكنه كفر بلا إله إلا الله.
أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ وفتَّته ونفخة أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟
فقال صلى الله عليه وسلم: (يميتك الله، ثم يبعثك الله، ثم يدخلك الله النار) (1) .
فيقول الله: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا)) أتى يضرب لنا الأمثال ونسي مكرماتنا، ونسي معروفنا، ونسي جميلنا ونعمنا، وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم : ((وَنَسِيَ خَلْقَهُ))
من الذي أنشأه من العدم؟
من الذي أغناه من الفقر؟
من الذي أمشاه على رجليه؟ ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ))
فما له نسينا اليوم؟
هذا العاصي قُتل في بدر كافراً بالله العظيم، فهذه خاتمة كل مستكبر عنيد.
هذا العاصي أتاه واحد من الفقراء المسلمين وقد عمل له عملاً فقال: يا أبا عمرو أعطني أجرتي.
قال: أتؤمن بمحمد؟
قال: نعم.
قال: أتؤمن بأن الله يبعثنا يوم القيامة؟
قال: نعم.قال: فإذا بعثنا الله أعطيتك!! ((قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ))، والله لنبعثن كما نستيقظ… حفاة عراة غُرلاً بُهماً كما خُلقنا أول مرة ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)).
نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله.
ولا يأمن من مكر الله ولا من عذاب الله ولا من لعنة الله إلاَّ من أمّنه الله اللهم اجعلنا من الامنين (امين يارب العالمين )