اطلعت على مقال محرر لأخينا الشيخ الفاضل جمال بن فريحان الحارثي قرر فيه شرعية التنفل بالصيام قبل قضاء رمضان ، وأقوى حجة في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها كما بسطه أخونا الفاضل في مقاله المذكور ، مدعما كلامه بالنقل عن أهل العلم ، ثم أجاب عن بعض الآثار الواردة عن الصحابة المخالفة لما قرره من شرعية التنفل بالصوم خلال العام قبل قضاء رمضان ، وهذا الذي قرره أخونا الشيخ جمال تقرير صحيح لكن صيام الست من شوال مستثناة من هذه الحكم فلا يشرع صيامها قبل أن يقضي الإنسان ما عليه من صيام رمضان0
وهذا الاستثناء أخذناه من لفظ الحديث حيث يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم
( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال000) فهذان قيدان الأول : صيام رمضان والثاني : ست من شوال
فمن حقق هذين القيدين نال الفضل المترتب عليهما وهو ( كان كصيام الدهر ) أما من بقيت عليه أيام من رمضان لم يصمها لعذر فليس له أن يشرع في تحقيق القيد الثاني حتى يحقق القيد الأول وذلك بإكمال صيام رمضان0
ثم إن هذين القيدين مرتبان لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث ( ثم أتبع ) فليس لك أن تقدم أو تؤخر فالمطلوب منك أن تكمل رمضان أولا ثم تتبعه بست من شوال وبذلك تكون قد حققت العمل بالحديث على الوجه الصحيح0
إذن هذه المسألة ليست داخلة في مسألة ( شرعية التنفل بالصوم قبل قضاء رمضان ) كما يفهمه كثير من طلبة العلم ثم يبنون عليه شرعية صيام الست قبل قضاء رمضان0
وإنما هذه المسألة لها مأخذ آخر كما شرحته آنفا0
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : من قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان ، وإنما أتبعها بعض رمضان 0 اهـ ( المجموع 15/392)
قلت : وهذه مخالفة ظاهرة للحديث0
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله ، فلو كان عليه قضاء ثم صام السته قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها ؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صام رمضان ) ومن بقى عليه شيىء منه فإنه لا يصح أن يقال إنه صام رمضان ؛ بل صام بعضه ، وليست هذه المسألة مبنية على الخلاف فى صوم التطوع قبل القضاء ؛ لأن هذا التطوع أعنى صوم الست قيده النبي صلى الله عليه وسلم بقيد وهو أن يكون بعد رمضان ، وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبنى على الخلاف فى صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان ، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك ، وبينا أن الراجح جواز التطوع وصحته ما لم يضق الوقت عن القضاء) 0اهـ ( الشرح الممتع 6/466)
وأما قول من يقول : إنه يشرع صيام هذه الست بنية القضاء والنفل معا فهو قول بعيد عن الصواب كما بينته في بعض الشروحات المسجلة ، وكذا من يفتي النساء بتقديم صيام الست على القضاء إذا كانت الأيام التي على المرأة أياما كثيرة كما يحصل للمرأة النفساء أو من تطول عادتها ، فهذا وأمثاله راعوا خواطر النساء ولم يراعوا القيود الشرعية الواردة في الأحاديث النبوية ، وكان الأولى أن يقال لمن لا يستطيع صيام هذه الست بعد القضاء : ليس عليك شيء هي نافلة فمن صامها على الوجه الشرعي فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يستطع فإن أجرها حاصل له بنيته إن شاء الله لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما ) أخرجه البخاري 0
ثم إن هذه النية الصادقة خير لك أيتها المرأة من عمل فيه إخلال بالقيود الشرعية والشروط النبوية التي نطق بها الحديث فإما أن نعمل بالحديث كما ورد وإما أن نترك العمل به إن كنا غير قادرين ولا نأتى بهذه التلفيقات المخالفة للفظه وقيوده
والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه 0
وكتبه / أبومالك عبد الحميد الجهني
صبيحة السبت 2/10/1428 هـ
((منقول))