تخطى إلى المحتوى

تخيلوا نحن كل هالسنوات نتعطر و آخر شيء نكتشف حكم العطور الي فيها كحول

  • بواسطة

رسالة في
حكم العطورات الكحولية

كتبه
ناصر بن حمد الفهد

1419
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، وبعد :
فهذا بحث مختصر في ذكر الأدلة التي تثبت حرمة بيع وشراء واستعمال (الروائح العطرية) التي يدخل في تكوينها مواد كحولية مسكرة .
وقد نقلت فيها ما تيسر من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ،وما تيسر من أقوال أهل العلم ، ونقلت في آخره نماذج لفتاوى بعض العلماء المعاصرين في هذه المسألة،اسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباع الحق ، وصلى الله على محمد .

الدليل الأول
قوله تعالى خليجيةيا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون  إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون  وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين).
والاستدلال بهذه الآية على تحريم هذه العطورات من وجهين:
الوجه الأول: أن الله سبحانه قال (فاجتنبوه) فأطلق الأمر بالاجتناب ، ولم يقيده بشئ مما يدل على وجوب اجتناب هذه المسكرات وعدم الانتفاع بها مطلقاً حتى في غير الشرب .
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير الآية: " السابعة – قوله (فاجتنبوه) يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشئ بوجه من الوجوه لا بشرب و لا بيع و لا تخليل و لا مداواة و لا غير ذلك ، وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب "اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ومعلوم أن الخمر لما أمر باجتنابها حرم مقاربتها بوجه ، فلا يجوز اقتناؤها ، ولا شرب قليلها ، بل كان النبي  قد أمر بإراقتها ، وشق ظروفها ، وكسر دنانها ، ونهى عن تخليلها وإن كانت ليتامى مع أنها اشتريت لهم قبل التحريم ، ولهذا كان الصواب الذي هو المنصوص عن أحمد وابن المبارك أنه ليس في الخمر شئ محترم لا خمرة الخلال ولا غيرها "اهـ.
وقال أيضاً :" إن الله أمر باجتناب الخمر، فلا يجوز اقتناؤها ، ولا يكون في بيت مسلم خمر أصلاً "اهـ.
وقال الشنقيطي رحمه الله تعالى: "وعلى هذا فالمسكر الذي عمت البلوى اليوم بالتطيب به المعروف باللسان الدارجي بـ(الكولانيا) نجس لا تجوز الصلاة به ، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر (فاجتنبوه) يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع مـعـه بشئ من المسكر وما معه من الآية بوجه من الوجوه كما قاله القـرطبي وغيره "اهـ.
ومن الواضح جداً لكل ذي عقل أن من باع هذه العطورات أو اشتراها أو استعملها أو اقتناها فإنه لم يمتثل أمر الله سبحانه حق الامتثال وهو الأمر باجتناب الخمر مطلقاً والله المستعان.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وصف الخمر بأنها (رجس) ، وهذا الوصف يدل على تحريم هذه العطورات من وجهين:
الأول : أنه يدل على نجاستها العينية كما هو مذهب الأئمة ، ولا يجوز التضمخ بالنجاسات في الصلاة مطلقاً وفي غيرها لغير حاجة ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
الثاني:أنه لا يسوغ للمسلم الذي يمتثل أمر ربه أن يتعطر ويتزين بما يصفه مولاه بأنه رجس وأنه من عمل الشيطان –حتى ولو قلنا أن نجاسته حكمية لا حقيقية-كما قال الشنقيطي رحمه الله تعالى :" لا يخفى على منصف أن التضمخ بالطيب المذكور والتلذذ بريحه واستطابته واستحسانه مع أنه مسكر ، والله سبحانه يصرح في كتابه بأن الخمر رجس فيه ما فيه ، فليس للمسلم أن يتطيب بما يسمع ربه يقول فيه إنه (رجس) كما هو واضح "اهـ.
الدليل الثاني
أنه قد تواتر النهي عن بيع الخمر وعن ثمنه ، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر  أنه سمع النبي  يقول :" إن الله حرم بيع الخمر ، والميتة ، والخنزير، والأصنام" ، وروى البخاري وغيره عن عائشة  أن النبي  قال:"حرمت التجارة في الخمر" ، وروى أحمد وغيره عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي  قال :" إن الخمر حرام شراؤها وثمنها" ، وقد ثبت من طرق أن الرسول  لعن بائع الخمر ومبتاعها ، فقد روى الترمذي-واللفظ له- وابن ماجه من حديث أنس ابن مالك  أنه قال :" لعن رسول الله  في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له" وروي هذا من حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم بألفاظ أخرى مقاربة ، والأحاديث في الباب كثيرة معلومة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" فأما تحريم بيع الخمر ، فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر ، مائعاً كان، أو جامداً، عصيراً ، أو مطبوخاً "اهـ وقاله غيره من الأئمة ، وهو الذي تدل عليه الأحاديث والنصوص .
ويدخل في التحريم أيضاً ما كان خمراً صرفاً ،وما كان ممزوجاً بشئ غيره كهذه العطورات التي دخل في تركيبها بعض المسكرات ، فالمسكر ما لم يستحل إلى غيره من المباحات فحكمه حكم الخمر في كل شئ سواء كان قليلاً أو كثيراً، فقد ثبت من طرق في السنن وغيرها أن الرسول  قال:"ما أسكر كثيره فقليله حرام "، وهذا أمر واضح لمن تجرد عن الهوى ، والله المستعان.
الدليل الثالث
أن الرسول  قد لعن الخمر بعينها ، كما قد روى أحمد وغيره من حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن الرسول  قال :" لعن الله الخمر وعاصرها و معتصرها …الحديث" وفي بعض الروايات عن ابن مسعود  فوعاً:"لعنت الخمر بعينها" ، وما لعنه النبي  فلا يسوغ لمسلم أن ينتفع به ببيع أو شراء أو استعمال أو اقتناء ، وهذه العطورات التي فيها مسكر لها نصيب من هذا أيضاً.
وقد قال الرسول  –كما في صحيح مسلم وغيره عن عمران بن حصين – للناقة التي لعنتها صاحبتها :" خذوا ما عليها و دعوها فإنها ملعونة " وفي رواية " لا تصحبنا ناقة عليها لعنة " ، وفي حديث جابر  عند مسلم أيضاً أن الرسول  قال لمن لعن بعيره :" انزل عنه فلا تصحبنا بملعون" ، فأمر بعدم اصطحاب من لُعِن.
قال ابن حبان رحمه الله تعالى عن هذه الأحاديث : "أمْر المصطفى  بتسييب الراحلة التي لعنت أمرٌ أضمر فيه سببه ، وهو حقيقة استجابة الدعاء للاعن ، فمتى علم استجابة الدعاء من لاعن ما راحلة له أمرناه بتسييبها، ولا سبيل إلى علم هذا لانقطاع الوحي ، فلا يجوز استعمال هذا الفعل لأحدٍ أبداً "اهـ
فإذا كان النبي  قال هذا وأمر بعدم اصطحاب من لعن و هو مباح الأصل، وفيما لعنه غيره ممن لا يأتيه وحي ولا يأتي بشرع ، فكيف يكون الأمر فيما لعنه هو  وأتاه في ذلك الوحي من السماء؟!.
فالخمر ملعونة على لسان من لا ينطق عن الهوى ،وكيف تطيب نفس المسلم بالتعطر مما لعنه نبيه ؟!.
الدليل الرابع
أن الرسول  نهى عن إمساك الخمر لاتخاذها خلاً ، فقد روى مسلم وغيره عن أنس بن مالك  أنه قال :" سئل الرسول  عن الخمر تتخذ خلاً ، فقال: لا " وفي رواية :" أن أبا طلحة سأل الرسول  عن أيتام ورثوا خمراً ، قال: أهرقها ، قال: أفلا أجعلها خلاً ، قال: لا " وثبت هذا عن عمر بن الخطاب  وغيره وقيل إنه إجماع من الصحابة-أي النهي عـن تخليل الخمر -.
بل ذهب كثير من الفقهاء إلى أن المسلم لو أمسك الخمر واتخذها خلاً فإن هذا الخل لا يباح وحكمه حكم الخمر في الحرمة والنجاسة ، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "واتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت بفعل الله بدون قصد صاحبها وصارت خلاً أنها تطهر ، ولهم فيها إذا قصد التخليل نزاع و تفصيل ،والصحيح أنه إذا قصد تخليلها لاتطهر بحال كما ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب  لما صح من نهي النبي  عن تخليلها و لأن حبسها معصية ، والطهارة نعمة ، والمعصية لا تكون سبباً للنعمة"اهـ .
وتخليل الخمر يكون بوضع بعض الخل أو الملح ونحوهما عليها فتستحيل كلها خلاً،والخل مباح بالنص والإجماع .
فإذا كان الرسول  قد نهى عن إمساك الخمر لتحويلها إلى مباح –وهو الخل- ولم يأذن بذلك حتى لو كان هذا الخمر ليتامى ،فإن هذا يدل على أن إمساكها مع بقاء عينها والتعطر منها والتزين بها منهي عنه بقياس الأولى وهذا واضح جداً لا يحتاج إلى تأمل.
الدليل الخامس
أن الرسول  أمر بإراقة الخمر ونهى عن إمساكه مطلقاً ، فمن ذلك حديث أنس السابق في الخمر الذي ورثه اليتامى ففي رواية للترمذي وغيره أنه قال له:" أهرق الخمر ، واكسر الدنان " ، وما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري  قال:" كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت المائدة سألت الرسول  وقلت : إنه ليتيم، فقال:أهريقوه " ، ويدل عليه أيضاً فعل الصحابة رضي الله عنهم الثابت في الصحاح لما بلغهم تحريم الخمر عمدوا إلى خمورهم فأراقوها حتى جرت في سكك المدينة، وما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رجلاً أهدى لرسول الله  راوية خمر فقال له الرسول  :هل علمت أن الله حرمها؟ قال: لا ، قال :فسار رجلاً ، فقال له الرسول  : بم ساررته؟ قال: أمرته ببيعها ، فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، قال : ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها " وغير ذلك من الأحاديث ، وكلها تدل على وجوب إراقة الخمر وعدم إمساكه ، وكل هذه الأحاديث تدل على أن إبقاء الخمر حتى مع عدم شربها – كهذه العطورات- لا يجوز ، بل الواجب هو إراقتها.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "ولو كان إلى استصلاحها سبيل لم تجز إراقتها بل أرشدهم إليه ، سيما وهي لأيتام –يعني حديثي أنس وأبي سعيد السابقين- يحرم التفريط في أموالهم"اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى –عن تخليل الخمر-: "ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر لا يجوز تخليلها لأحد ، ولو جاز تخليلها ما كان رسول الله  ليدع الرجل أن يفتح المزادة حتى يذهب ما فيها لأن الخل مال وقد نهى عن إضاعة المال ، ولا يقول أحد فيمن أراق خمراً على مسلم أنه أتلف مالاً وقد أراق عثمان بن أبي العاص خمراً ليتيم"اهـ.
الدليل السادس
أن الرسول  نهى عن التداوي بالخمر، أو جعلها مع الدواء للاستشفاء بها، كما روى مسلم عن طارق بن سويد  أنه سأل النبي  عن الخمر فنهاه ، فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقال:" إنه ليس بدواء، ولكنه داء "، وفي رواية لأهل السنن (إنه سئل عن الخمر يجعل في الدواء) ، وفي السنن من حديث أبي هريرة  أن الرسول  " نهى عن الدواء الخبيث "، وروى أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن الرسول  قال :" إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ، ولا تداووا بالمحرم " ، وأحاديث الباب كثيرة مشهورة.
ومن المعلوم أن الشارع يرخص لذوي الحاجات ما لا يرخص لغيرهم ، ويبيح لهم ما لا يبيح لغيرهم ، وأن المريض له أن يترخص وأن يتناول بعض ما لا يجوز له تناوله وهو صحيح معافى .
فالنهي عن استعمال الخمر للدواء أو وضعه فيه مع أن المستخدم لهذا الدواء هم المرضى يدل من باب أولى على النهي عن استعماله فيما لا حاجة فيه من الأمور التحسينيات – وهو التعطر والتزين به – خاصة وأن هناك ما يقوم مقامه من العطور التي أباحها الله .
الدليل السابع
أن الشارع سد جميع الذرائع المفضية للسكر ، فحرم الخمر ولعن فيها عشرة، وأمر بإراقتها حتى ولو كانت ليتامى، وأمر بكسر دنانها ، وحرم إمساكها بوجه من الوجوه حتى لو كان لتخليلها ، ونهى عن الانتباذ في الأوعية التي يدب فيها السكر وغيره.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :"إن الله حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل، وهذا ليس مما نحن فيه ، لكن حرم القطرة الواحدة منها ، وحرم إمساكها للتخليل، ونجسها، لئلا تتخذ القطرة ذريعة للحسوة ، ويتخذ إمساكها للتخليل ذريعة لإمساكها للشرب، ثم بالغ في سد الذريعة فنهى عن الخليطين ، وعن شرب العصير بعد ثلاث ، وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها ولا يعلم به ، حسماً لمادة قربان المسكر"اهـ.
وأصل سد الذرائع من الأصول التي اعتبرها الشارع ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فإذا حرم الرب شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه ، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراء للنفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء ، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك ، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شئ ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضاً ، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده"اهـ.
ومن المعروف لكل أحد أن بعض هذه العطور قد اتخذها كثير من الفساق مسكراً يتناوله كما يتناول الخمر ، ولو لم يكن في هذه العطور إلا هذه المفسدة لكانت كافية في تحريمها.
الدليل الثامن
أن استعمال الخمر في التعطر والتزين والامتشاط ونحو هذا من الزينة الظاهرة من غير شرب قد وقع في زمن الصحابة والتابعين فنهى عنه الصحابة والتابعون :
• فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي ، وقال الزهري: كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر.
• وثبت عن ابن عمر  أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر ، فقال: ألقى الله في رؤوسهن الحاصة .
• وذكر نساء يمتشطن بالخمر عند حذيفة فقال: لا طيبهن الله ، وفي رواية(يتطيبن بالخمر لا طيبهن الله) .
• وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وجد في بيته ريح السوسن ، فقال:أخرجوه ، رجس من عمل الشيطان.
• وثبت النهي عن الامتشاط بالخمر عن عطاء ، وعبد الكريم الجزري ، وعمرو بن دينار ، وقال عكرمة : لا تمتشط بمعصية الله.
• وقال ابن عمر : لو أدخلت إصبعي في خمر ما أحببت أن ترجع إلي.
• وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يطلوا بدردي الخمر بعد النورة .
• وروى أيضاً عن جابر بن زيد أنه سئل عن دردي الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشئ منه في جراحة أو سواها؟ فقال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.
ولا شك أن هذه الاستعمالات التي أفتى فيها الصحابة والتابعون هي من جنس استعمال هذه العطور في هذا الزمن فتلحق بها.
الدليل التاسع
أن الرسول  أمر باتقاء الشبهات ، ففي الصحيحين من حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  يقول:"إن الحلال بين ، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ".
وأقل ما في هذه العطورات وجود شبهة الحرام فيها لوجود المسكر ، وقد ذكر الرسول  أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .
الدليل العاشر
أن الصواب من قول أهل العلم هو القول بنجاسة الخمر للأدلة التالية:
1. قوله تعالى واصفاً الخمر (رجس من عمل الشيطان) والرجس في لغة العرب هو النجاسة وكل مستقذر تعافه النفس ، وقيل إن أصله الركس وهو العذرة والنتن ، وفي الصحيح أن النبي  أتي بحجرين وروثة للاستجمار ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال (إنها ركس أو رجس) ، وقد وصف الله تعالى الخمر بهذا فدل ذلك على نجاسته.
2. قال بعض العلماء : ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة ( وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك ، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح الله بها خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا.
3. ويدل عليه الأمر باجتنابها في قوله تعالى (فاجتنبوه) ، والأمر بإراقتها، وكسر دنانها ، وشق ظروفها ، وغسل أوانيها ، واستخباث الشرع لها مما لم يرد مثله ولا قريباً منه في البول ،قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والتمسك بعموم الأمر باجتنابها كافٍ في القول بنجاستها"اهـ.
وهذا المذهب هو مذهب عامة أهل العلم ، وجمهور أهل الحديث ، وهو مذهب الأئمة الأربعة ، وهو مذهب المحققين من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية ،وابن القيم وغيرهم .
وإنما خالف في ذلك قلة من العلماء جعلوا نجاسة الخمر نجاسة معنوية لا حسية، وكان حاصل ردهم على أدلة الجمهور يرجع إلى شيئين :الأول:أن الله سبحانه قرنها في الآية المذكورة بالميسر والأنصاب والأزلام، وهذه ليست نجسة العين وإن كانت محرمة الاستعمال.
الثاني:أن الصحابة لما بلغهم تحريمها أراقوها في طرق المدينة ، ولو كانت نجسة لما فعلوا ذلك ولنهاهم النبي  عن ذلك.
والجواب عن الأول:من وجهين :
الوجه الأول :أن قوله تعالى (رجس) يقتضي نجاسة العين في الكل ، فما أخرجه نص أو إجماع خرج بذلك ، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته ، والخمر هنا لم يأت نص يخرجها من النجاسة العينية ، بل النصوص تعضد القول بنجاستها –كما سبق-فلزم القول بنجاستها.
الوجه الثاني : إن باقي الأدلة التي تأمر باجتناب الخمر ولعن عينها والأمر بإراقتها وتحريم إمساكها وغيرها كلها تدل على نجاستها ولو لم تأت هذه الآية فكيف وقد نصت الآية مع ذلك على أنها رجس؟؟ومن عمل الشيطان ؟؟.
والجواب عن الثاني من وجوه:
الوجه الأول:أن هذا لا دليل لهم فيه ، فإنها لم تعم جميع الطرق ، ولم تكن الخمر بالكثرة بحيث تصير نهراً لا يمكن التحرز منه ، بل جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها.
الوجه الثاني: أن الصحابة فعلوا ذلك لأنه لم يكن لهم سروب ولا آبار يريقونها فيها ، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف ، ونقلها إلى الخارج فيه كلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور.
الوجه الثالث: أن القصد بالإراقة كان لإشاعة تحريمها، فإذا اشتهر ذلك كان أبلغ ، فتحتمل أخف المفسدتين لحصول المصلحة العظيمة الحاصلة من الاشتهار.
الوجه الرابع: أنه يحتمل أنها إنما أريقت في الطرق المنحدرة بحيث تنصب إلى الأسربة والحشوش أو الأودية فتستهلك فيها ، ويؤيده ما أخرجه ابن مردويه -بسندٍ جوّده الحافظ ابن حجر-من حديث جابر في قصة صب الخمر، قالخليجيةفانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي).
الوجه الخامس:ولم أر أحدا من أهل العلم ذكر هذا الوجه وهو في نظري أقوى الوجوه :
وهو أننا لو سلمنا بأن الخمر جرت في جميع طرق المدينة ، فإن هذا لا يدل على طهارتها، لأن الخمر سريعة الاستحالة جداً، فتستحيل مع الشمس والريح، والاستحالة مطهرة ، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قالخليجية كانت الكلاب تقبل وتدبر في مسجد رسول الله  -وفي السنن : وتبول-ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك ) ولو قال قائل :إن بول الكلاب طاهر لهذا الحديث!! لكان استدلاله أوجه ممن استدل على طهارة الخمر بإراقتها في طرق المدينة، لأنه في الحديث نص على أنها كانت تبول في المسجد والمسجد يجب تطهيره، ونص على أنهم لم يكونوا يرشون على بولها شيئاً ، ومع ذلك لم يذهب أحد إلى طهارة بول الكلاب لهذا الحديث، بل أجابوا عنه بأجوبة أصحها أن الشمس والريح تحيل النجاسة،وما قيل في الجواب عن هذا الحديث ، فإنه يكون جواباً من باب أولى على إراقة الخمر في طرق المدينة .
فإذا تقرر هذا : فمما يدل على تحريم استعمال العطورات التي فيها مسكر نجاستها، والمسلم يحرم عليه مباشرة النجاسة إلا لحاجة –كالاستنجاء-، وأما في الصلاة فيحرم عليه التضمخ بها مطلقاً إلا لضرورة ، والحاجة والضرورة هنا منتفيتان لأن الأمر كله عائد إلى التحسينيات ، ولوجود البديل الذي يقوم مقام هذه العطورات مما أباح الله سبحانه وتعالى ، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم،،،،

المصدر https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=8329

جزاك الله خير عـ التنبيه
بـ ميزان حسناتك إن شاءالله

الســـلام علـــيكم
اختي الله الغاليه بارك الله فيج
الكحول نوعين
نوع طبيعي وينتج من الخمور , ونوع صناعي ينتج من المواد الكيمائيه
ويستخدم في العطور
..,

جزاكم الله خيرا على الردود خواتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.