أ. سحر شعير
أن تكون أباً أو أن تكوني أماً.. إن ذلك من أسعد التجارب وأكثرها ثراء، ولكن في حياة كل منا أوقاتاً يصل فيها لدرجات عالية من التوتر والانفعال، ولعل الاعتناء اليومي بالأبناء نفسه قد يؤدي إلى توتر الآباء والأمهات، وكثيراً ما يفرغون شحنات الانفعال والتوتر في صورة نوبات فقد الأعصاب والغضب الشديد المصحوب بالصوت المرتفع، يرافقه الضرب أو التجريح في كثير من الأحيان، مع أننا في الحقيقة نخسر كثيراً بهذه الأساليب الملتهبة في التعامل مع الصغار.
أما آن الأوان لنصطلح معهم؟ ولنودع الغضب والتوتر إلى الأبد ليحل محله أسلوب آخر أكثر تعقلاً وحناناً في التعامل مع الأحباب الصغار؟
لنبدأ مع هذه الخطوات العملية لنكون أكثر حلماً وصبراً على أبنائنا:
1- نأخذ العهد على أنفسنا أن "لا غضب بعد اليوم" بل نلتزم الهدوء في حل المشكلات.
2- نتروى قليلا قبل إصدار الحكم؛ ونتوقع العذر في خطأ الابن؛ كأن يكون مقلداً لموقف رآه في التلفاز، أو ليجلب الانتباه، أو لأنه يشعر بحاجة للنوم أو الطعام.
3- نتذكر أن الأطفال لا يقلعون عن الأخطاء إلا بعد التنبيه عليهم لمرات كثيرة؛ فلا نمل أو نسأم من هذا التكرار.
4- إذا أخطأ الطفل نتحدث معه عن خطئه وكيف يجب تجنبه، ونعلمه سلوكاً بديلاً له، ولا ننس أن ننظر في عينيه ونحن نحدثه، ثم نتوقف عن الحديث مباشرة؛ دون أن نسمح له بالمناقشة؛ لأن ذلك يضعف قراراتنا؛ وبالتالي لن تصله الرسالة الحازمة التي نريد، أما إن كان اعتراضا محقا؛ فإننا نؤجل الإجابة عليه فيما بعد؛ لئلا نميّع أوامرنا فهو لا يريد نقاشاً حقيقياً في هذه الحالة.
5- لابد أن نمنحهم مزيداً من الاهتمام؛ لنحصل منهم على المزيد من الطاعة والتعاون.
6- نعوّد الأبناء منذ البداية على أن هناك أوقاتاً منظمة للطعام والنوم والدراسة واللعب؛ فإن تعودهم على الحياة المنظمة يبعدهم عن التباطؤ والتلكؤ في إنجاز أعمالهم.
7- نحاول أن نبعد عن أذهاننا الأفكار السلبية عن الأبناء، مثل أن نقول دائماً إنهم غير منضبطين أو لا يسمعون الكلام أو سيئي السلوك، ففي الغالب تكون هذه الأفكار متضخمة وأكبر من الواقع، وتكرارها يؤثر سلبياً على علاقتنا بهم، ويولد فيهم الاستهتار وعدم الشعور بالمسئولية.
8- نحاول أن نقترب من الأبناء ونسعد باكتشاف ما يحمله كل منهم من مميزات وصفات طيبة، إن ذلك يجعلنا أكثر هدوءاً في التعامل معهم، وأكثر تقديراً لذواتهم.
9- نبتعد عن الأوامر الجافة ونحاول إصدار الأوامر بأسلوب جذاب، كأن نتبارى مع الطفل من يستطيع أن يسبق بارتداء ملابسه قبل أن ترن الساعة المضبوطة لمدة خمس دقائق، أو نحاول تشجيعه ومكافأته بمكافآت بسيطة (قبلة أو قطعة حلوى أو ندعو له) كلما أنجز شيئاً.
10- تكرار الأوامر بنفس العبارة والأسلوب يجعل الطفل يماطل في التنفيذ، ولكن الصواب أن نقول له لمرة واحدة: إن لم تبدأ بارتداء ملابسك خلال نصف دقيقة؛ فـتأكد أنك ستحرم من اللعب مع أحمد! وإذا بقينا هادئين بعد ذلك فسيشعر الطفل أننا جادون فيما نقول.
كما أن الاختصار في الحوار واستخدام الجمل القصيرة يعد أكثر تأثيراً في الطفل من الجمل الطويلة التي توحي للطفل بتسلط أهله عليه.
11- لا نأمر الأبناء إلا بالمستطاع لهم، فمن غير المعقول أن نطالب الطفل بالهدوء والسكون طوال اليوم، أو المحافظة على نظافة غرفته كساعة تنظيفها طوال اليوم!! ولكن نقول له: رتّب سريرك! وبعد قليل غرقتك تحتاج أن تكنسها! ومرة أخرى: رتّب سطح المكتب قبل أن تنام! وهكذا.
12- لنعلم أن استخدام النبرة الحازمة بالضغط على الحروف مع تركيز النظر في عيني الابن يفهمه ويعطيه رسالة مفادها: أن الأم تعني ما تقول وتصمم عليه وإلا تعرّض للعقاب، وعلينا ألا نعبأ بغضب الطفل من عدم تنفيذ طلباته وإلا وقعنا في مصيدته التي ستتكرر عن طريق إصراره وتوسله ونحيبه، ولنتذكر أن الثورات اليومية من الوالدين ومعركة فقد الأعصاب المتكررة لن تطور سلوك الأبناء.
13- لا ننس نتائج الدراسات التي تؤكد أن هناك دلائل قطعية بين عصبية الأم أو الأب وكون طفلهما عنيداً متمرداً، عدوانياً مشاغباً.
14- لماذا لا ننقد أنفسنا بين الحين والآخر، لعلنا نكون نحن السبب في تصرفهم السيئ؛ خصوصاً أنهم قد يكونون يقتدون بنا في تلك التصرفات.
15- حين تبدأ المواجهة يجب الابتعاد عن الانتقادات الجارحة، ولنبدأ في العدّ من 1 إلى 10 قبل التفوه بأي كلمة، ولنسأل أنفسنا: "ما الذي يجب أن نقوله الآن؛ ليخرج الطفل مستفيداً من الموقف؟ ولكيلا تترك ردود أفعالنا صورة سيئة عنـا في نفس الطفل".
16- لنتخذ قراراً مسبقاً كل يوم بأنه: لا عصبية ولا عنف مع الأولاد اليوم، ولنضع نصب أعيننا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب".
17- نعوّد أنفسنا على ترديد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم بصورة مستمرة وبصوت مسموع للأبناء؛ وبخاصة عندما يستثيرون غضبنا.
18- نحاول أن نبحث عن طرق لتصريف الغضب بعيداً عن الصغار، كالخروج إلى الحديقة، أو القيام بعمل عضلي.
19- يمكننا اللجوء لأسلوب الرسائل المكتوبة، للتعبير عن رفضنا للموافقة على طلبات الأبناء؛ أو تأنيبهم أو التعبير عن الاستياء من سلوك معين؛ فهذه الطريقة ناجحة للتعامل مع الناس جميعاً كالزوجين، والأصدقاء، والأبناء أيضاً؛ لأننا عندما نكتب نفكر بحكمة وتحليل وتعقل، أكثر من ارتجال القرارات والأحكام والتأنيب؛ ونستطيع من خلالها تبرير مواقفنا وآرائنا، كما أن الانفعال لا ينتقل بالكتابة كما ينتقل بأسلوب المحادثة، وسنلاحظ أن حدة الغضب ستقل بالتأكيد لدينا ولدى الأبناء كذلك.
20- نتذكر أن خفض الصوت حال التحدث مع الطفل يقلل من الغضب، ويوحي للطفل بقدرتك أنت على السيطرة على نفسك وعليه هو، أما في حال رؤيته لنا وقد فقدنا السيطرة على أعصابنا فإن ذلك يصورنا أمامه ضعفاء وسوف يقتدي بنا في الضعف، وربما يستغل ضعفنا.
وأخيراً.. أعزائي المربين والمربيات:
لا ننس وقبل كل شيء أن نطلب العون من الخالق سبحانه على تربية الأبناء، وإذا ضقت ذرعاً بتصرفاتهم فصل لله ركعتين، ثم اطلب منه بافتقار أن يعينك على تربيتهم، وأن يصلح حالهم، فقد "كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة"، فعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم، وبما أوصانا به عند الغضب، فنغير أوضاعنا من قيام أو جلوس أو الخروج من الغرفة، وكذلك الوضوء والغسل.
ولنتذكر دوماً براءة الأطفال وضعفهم، وأن وجودهم في حياتنا نعمة كبيرة من الله تعالى ميزنا بها عن كثير من عباده، فاللهم لك الحمد وارزقنا صبراً وحلماً عليهم. آمين.
منقول