الإثنين, 10 مايو/آيار 2024 01:26 مصطفى حسان
بينما كان يقود سيارته على الطريق السريع، إذ فجأة وجد مؤشر الوقود في سيارته يشير إلى وجود نقص في الوقود وأنه سينفد بعد قليل، حاول أن يتجاهل هذه الإشارة ليستكمل طريقه وكأن شيئا لم يكن، إلا أنه انزعج بشدة من تكرار هذه الإشارة، فبدأ يفكر في كيف يتخلص من هذه الإشارة الغبية التي تزعجه، وبينما هو يفكر في طريقة للتخلص من هذه الإشارة المزعجة وجد السيارة توقفت تماما ولا يمكن أن تسير، لأن ببساطة؛ الوقود نفد!!
قد نستغرب من هذا التصرف العجيب من هذا السائق، الذي أصرّ على تجاهل هذه الإشارة الهامة التي تخبره أنه يحتاج للتوقف حتى يزوّد السيارة بالوقود، ولكن العجيب في الأمر أننا نقوم بنفس هذا التصرف كل يوم تقريبا مع مشاعرنا.
كثيرا ما نشتكي من المشاعر السلبية التي نمر بها في حياتنا اليومية … أففف أشعر بضيق وكآبة … أشعر بقلق … أشعر بغضب شديد … هذه هي كلمات كثير منا تجاه مشاعره السلبية، في حين أن المشاعر السلبية ليس لها أي ذنب حتى نشتكي منها … إنها مجرد مشاعر!!
هذه المشاعر السلبية بكل بساطة هي مجرد "إشارة" أو "تنبيه" من عقلنا أن هناك شيء ما خطأ يتطلب منا أن نتوقف لنتصرف بشكل ما … مثلها مثل إشارة الوقود في المثال السابق، إشارة الوقود في هذا المثال كانت مجرد تنبيه للسائق أن هناك شيء خطأ وعليه أن يتوقف ليصلحه، ثم بعد ذلك يستطيع أن يكمل سيره كما يشاء … كذلك المشاعر السلبية؛ مجرد إشارة يرسلها إليك عقلك حتى يخبرك أن هناك شيء ما خطأ، وعليك أن تتوقف لتصلحه.
لذلك ما تحتاجه ببساطة عندما تشعر بمشاعر سلبية، لا أن تتجاهلها أو تطردها وتتمنى أن تزول وتتخلص منها، ولكن فقط استمع إليها، وحاول أو تفهم الرسالة التي أرسلها عقلك إليك من خلال هذه المشاعر، واسأل نفسك: أين الخطأ؟ وما هو الشيء الذي أحتاج إلى تعديله؟
فمثلا إذا كنت تشعر بالقلق، فهذه مجرد إشارة من عقلك أن هناك شيء يسير في اتجاهه الخاطيء، قد يكون عبارة عن عمل متأخر وتحتاج إلى إنهائه، أو مذاكرة متراكمة وتحتاج أن تذاكرها، لذلك يقوم عقلك بإرسال رسالة تنبيهية بريئة إليك في صورة "مشاعر سلبية" ليقول لك: هناك شيء ما خطأ، تصرف الآن.
هذا التصرف المطلوب قد يكون تغييرا "للواقع"، وقد يكون تغييرا "لإدراكك لهذا الواقع".
فمثلا قد تحتاج إلى إنجاز أعمالك المتأخرة بالفعل، فتكون قد غيرت الواقع الذي يسبب لك هذا القلق … أو قد تحتاج إلى إقناع نفسك أن هذا العمل غير متأخر وأنك لديك وقت كافٍ لتنجزه في وقت لاحق، فتكون قد غيرت إدراكك للواقع الذي كان يسبب لك هذا القلق.
كذلك مثلا إذا كنت تشعر بالذنب، فهذا الشعور هو مجرد إشارة بريئة من عقلك ليخبرك أنك فعلت شيئا لا ينبغي أن تفعله، وعليك أن تتصرف الآن حتى تصلح هذا الخطأ … فمثلا قد تحتاج إلى الاستغفار والتوبة إذا كان خطؤك دينيا، أو قد تحتاج إلى الاعتذار إلى شخص أخطأت في حقه، وبهذا تكون قد غيرت الواقع الذي يسبب لك هذا الشعور.
أو قد تحتاج إلى إقناع نفسك أنك لم تفعل شيئا يستحق هذا الشعور، وأن تقدم مبررات لعقلك تبرر فعلك هذا، وبهذا تكون قد غيرت إدراكك الذي يسبب لك هذا الشعور.
فقط كل المطلوب منك عندما تشعر بأي نوع من المشاعر السلبية أن تتفهم هذه المشاعر وتتقبلها وأن تتوقف قليلا لتسأل نفسك، ما سبب هذا المشاعر؟ وماهي الرسالة التي تحملها؟ وماذا أحتاج أن أفعل حتى أكون قد لبيت طلب هذه المشاعر؟
وبمجرد أن تقوم بهذه الخطوات ستجد هذه المشاعر السلبية تتركك بشكل تلقائي، لأن دورها انتهى إلى هذا الحد، ولا يحتاج عقلك إلى وجودها الآن.
ماذا سيحدث إن لم تتقبل مشاعرك وتحاول أن تتفهمها؟
سيحدث بالضبط ما حدث للسيارة إذا تجاهلت مؤشر الوقود، بمعنى أنك ستواجه مشكلة نفسية شبيهة بتوقف السيارة عندما ينفد الوقود، فعندما تتجاهل هذه المشاعر فإنك تقوم في الحقيقة بكبتها، ومع استمرار تجاهل وكبت هذه المشاعر فإنها تتراكم وتسبب لك المزيد من الحالات النفسية السلبية التي ستعوق تقدمك، ومن هنا تأتي حالات الاكتئاب والقلق الحقيقية التي يعاني منها البعض نتيجة تعاملهم مع مشاعرهم السلبية الأساسية التي كانت غاية في البراءة والنبل.
في نهاية هذا المقال: تذكر دائما أن مشاعرك هي مجرد إشارة بريئة، يبعثها عقلك إليك لينبهك لشيء هام، فاحمد الله أن أعطى عقلك هذه الخاصية التي تنبهك للخطأ، وتقبل مشاعرك وأعطها الثقة واشكرها على تنبيهك وحاول أن تتفهمها وتفهم الرسالة التي تحملها إليك، فهي رسالة في غاية الأهمية.
منقووول
وصلت الفائدة
وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،
اللهّم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،
اللهّـــم آميـــن
اب اب اب اب اب
اب اب اب اب
اب اب اب
اب اب
اب