وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني
وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلهِ
ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ
ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرة ً
وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
(وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
التوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه وتقضى بها الحاجات
و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق
والتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم الصلاة السلام –ومن ذلك قصة نبي الله موسى – عليه السلام – لما توجه تلقاء مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )
فقد أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب
و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً خاوي البطن لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال و حاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب
فلما أظهر فقره لله و لجأ إليه سبحانه بالدعاء
و علق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة
يقول تعالى ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ ) وكان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه عليه – في يوم الهجرة عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه – لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم " ما بالك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا "
و هذا الذي عناه سبحانه بقوله ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا )
كما أن التوكل من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه
يقول تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) ومن ذلك قوله سبحانه (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) وقوله عز وجل (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
وقوله تعالى (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
وقوله جل وعلا (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )وقوله عز وجل (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
وقال سبحانه واصفاً عباده المؤمنين في معرض الثناء والمدح (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )
وهو صفه من صفات الإيمان قال تعالى ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم )
و في الحديث " لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً " رواه أحمد و الترمذي
قال الحافظ ابن رجب رحمه اللّه(هذا الحديث أصلٌ في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق)
و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم " اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك رواه البخاري و مسلم
و كان يقول " اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت ، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون ". رواه مسلم
و كان لا يتطير من شئ صلوات الله و سلامه عليه لذا يجب على المسلم أن يتوكل على الله تعالى ويجعل قلبه معلقا بخالقه في كافة أموره
ومن ذلك عليه أن يأخذ بأسباب طلب الرزق
فيخرج ويسعى ويعمل
فيغنيه الله تعالى من فضله ويعفه عن سؤال الناس
جزاج الله خير حبيبتي ع الموضوع