بسم الله الرحمن الرحيم
الدرة الثالثة رسالة مكلومة من أمكِ المسكينة
وكأني بها تقول لكِ من ذلك القلب الكبير المليء بالحب والحنان ، والوفاء والتضحية ، كتبتها على استحياء بعد تردد وطول انتظار .أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة ! وأوقفته الدمعة مرات ، فجرى أنين القلب .
يابنيّه .. بعد هذا العمر الطويل أراكِ فتاةً سوية مكتملة العقل ، متزنة العاطفة .. ومن حقي عليكِ أن تقرئي هذه الورقة ، وإن شئتِ بعد فمزقيها كما مزقتِ أطراف قلبي من قبل !
يابنتي : منذ عشرين عاماً كان يوماً مشرقاً في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل ! وتعرفين معنى هذه الكلمة جيداً ! فهي مزيج من الفرح والسرور ، وبعد هذه البشرى حملتكِ تسعة أشهر في بطني ،أقوم بصعوبة ، وأنام بصعوبة ، وآكل بصعوبة ، وأتنفس بصعوبة . لكن ذلك كله لم ينتقص من محبتي لكِ وفرحي بك ! بل نَمت محبتكِ مع الأيام ، وترعرع الشوق إليك ! حملتكِ وهناً على وهن ، وألماً على ألم .. أفرح بحركتِكِ ،وأسر بزيادة وزنِكِ ،وهو حملٌ علي ثقيل !
( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمُّهُ وهناً على وهنٍ وفصالُهُ في عامين أنِ أشكر لي ولوالديكَ إلَيَّ المصير ) إنها معاناة طويلة ، أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه قلم ، ولا يتحدث عنه لسان .. اشتد بي الألم حتى عجزت عن البكاء ، ورأيت بأم عيني الموت مرات عديدة !
حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخِكِ بدموع فرحي ، وأزلت كل آلامي وجراحي ، بل حنوت عليك مع شدة ألمي وقبلتُكِ قبل أن تنال منك قطرة ماء !
يا بنتي الغالية : مرت سنوات من عمركِ وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي ، فكان بطني لك وعاء ، ثم أصبح حجري لك فراشاً ، وثديي لك سقاء …
لأمك عليكَ حقٌ لو علمتَ كـثيرُ ******* لأمك عليكَ حقٌ لو علمتَ كـثيرُ
لها من جـواها أنـةٌ وزفيرُ ***** فكم ليلةً باتت بثقـلِكَ تشتـكي
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة ***** فمن غُصصٍ منها الفؤاد يطيرُ
ٌ وكم غسلت عنـكَ الأذى بيمينها ***** وما حـجرها إلا لديكَ سريرُ
وتفديكَ ممـا تشتـكيه بنفسـها ***** ومن ثـديّها شُربٌ لديكَ تميرُ
وكـم مرةً جاعت وأعطتكَ قوتها ***** حناناً وإشـفاقاً وأنـتَ صغيرُ
وكـم مرةً جاعت وأعطتكَ قوتها ***** حناناً وإشـفاقاً وأنـتَ صغيرُ
فضيّعتها لــمّا سمنت جـهالـة ***** فطال عليك الأمر وهو قصيرُ
ً فآهٍ لـذي عقـلٍ ويتبع الـهوى ***** وآهٍ لأعمى القلب وهو بصيرُ
مرت الليالي والأيام وأنا خادمة لم تقصر ، ومرضعة لم تتوقف وعاملة لم تسكن ، وداعية لكِ بالخير والتوفيق والعفة والعفاف ، أراقبكِ يوماً بعد يوم حتى اشتد عودك ، واستقام شبابكِ ، وبدت عليك معالم البلوغ والرشد ، فإذا بي أنتظر بفارغ الصبر نتائج ( الثانوية العامة ) لتكمل فرحتي بكِ بدخولكِ الجامعة !! وأتى موعد الجامعة ، واقترب زمنها ، فتقطع قلبي ، وجُرِحَت مدامعي ، فرحة بحياتك الجديدة ، وحزناً على فراقك !
ومرت الساعات ثقيلة ، واللحظات بطيئة ، فإذا بك لستِ ابنتي التي عرفت . اختفت ابتسامتك ، وغاب صوتك ، وعبس محياك ،، لقد أنكرتني وتناسيت حقي ! تمر الأيام أراقب طلعتك ، وأنتظر بلهف سماع صوتك . لكن الهجر طال والأيام تباعدت ! ( أما ابن سرين يا بنتي ، كان إذا جلس بالقرب من أمه ظن القوم أنه مات ، لكثرة سكونه وهدوئه خوفاً من أن يزعجها )
يابنتي : لا أطلب إلا أقل القليل .. اجعليني في منزلة أطرف صديقاتِكِ ، وأبعدهم حظوة لديك ! اجعليني إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق ..
تُعَلُّ بمـا أجني عـليّك وتنهلُ ***** غـذوتك مـولوداً وعُلتُكَ يافِعاً
لشـكواكَ إلاّ ساهـراً أتملمَلُ ***** إذا ليلةٌ نـالتك بالشجو لـم أبِت
طُرِقت به دوني فعينيَ تـهمُلُ ***** كأني أنا المطروق دونك بالذي
لأعلم أن الموتَ حتم مـؤجل ***** تخاف الردى نفسي عليك وإنني
إليها جـَرَى مـا أبتغيه وآمُلُ ***** فلما بلغت الوقت في العدّة التي
كـأنك أنـت المنعمُ المتفضِّلُ ***** جَعَلتَ جَزائي منك جبهاً وغلظَةً
كما يفعل الجارُ المجاوِرُ يفعلُ ***** فليتَكَ إذ لـم ترع حـقَّ أُبوَتِي
احدودب ظهري ، وارتعشت أطرافي ، وأنهكتني الأمراض ، وزارتني الأسقام .. لا أقوم إلا بصعوبة ، ولا أجلس إلا بمشقة ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك !
ورسالهتا لم تنتهي إلا أنني أكتفِ بهذا القدر وتلك الكلمات التي كتبتها لكِ – يا أخيه – والدموع تسح على الخدود ،والأنين أغلقت الأبواب دونه فبقي ساكناً في القلب الحزين لما رأى من عقوق الوالدين – عجباً لمن عق والديّه – ألم يدرك حتى الآن أَنْ كان بإمكانهم تركه صغيراً دون رعاية وحنان وشفقة كما يعاملهم هو الآن !!! تلكَ إذاً قسمةً ضيزى …
أختاه .. إنها أمكِ التي أحسنت إليك إحساناً لن تقابليه ومعروفاًً لن تجازيه … لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات ! فأين الجزاء والوفاء ؟ ! وأحسني فإن الله يحب المحسنين !
أختاه … لا تريد منكِ سوى أن تحافظي على عفتك وطهارتكِ وشرفك ،وتبتعدي عن رفقاء السوء ، وما هو حرام ومنبوذ مما تسمونه اليوم بالزمالة والصداقة مع الأجانب من الرجال و…
أما آن لقلبكِ أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق ، وألجمها الحزن ! جعلتِ الكمد شعارها ، والغم دثارها ! وأجريتِ لها دمعاً ، وأحزنت لها قلباً ، وقطعت بها رحماً .. نتيجة ذلك الفعل الذي ارتكبتيه ، وذلك الذنب الذي اقترفتيه .. من تسكع هنا وهناك ، وتمايل وتغنجات .. (( صنفان من أهل النار لم أرَهما …. كاسيات عاريات مائلات مميلات ، لا يجدن ريح الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ))
أختاه – هاهو طريق الجنة دونكِ فاسلكيه ، وأطرقي بابه بابتسامة عذبة ، وصفحٍ جميل ، ولقاءٍ حسن ، وأعود الى رزانتك وعقلكِ ، وقَبّلي تلك اليد التي ما بخلت عليكِ يوما ، وذلك القلب الذي لم يحمل عليكِ حقدا ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يدخل الجنة قاطع رحم )) فلعمرُكِ ! كيف بأمك !!! ودعوة الوالدين لا ترد ، كما جاء في الحديث الصحيح ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنّ ، دعوة المظلوم ، ودعوة الصائم حين يفطر ، ودعوة الوالد على ولده )
إنني أعيذكِ أن تكوني ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (( رَغُم أنفه ، ثم رغم أنفه ، ثم رغم أنفه ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال (( من أدرك والديه عند الكبر ، أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة )) رواه مسلم .
وكما تدين تدان … وستكتبين رسائل لإبنك وابنتُكِ بالدموع مثلما كتبتها إليك .. وعند الله تجتمع الخصوم !
سوق الكساد ينادي من يواسيني ***** أماه عذراً إذا ما الشعر قام على
ناح القصيد ونَوْحُ الشعر يشجيني ***** مالي أراه إذا مـا جئت أكتبـه
يـا قمة الطهر يا من حبكم ديني ***** حاولت أكتب بيتاً فـي محبتكم
وأسبل الدمع مـن عينيه في حين ***** فأطرق الشعر نحوي رأسَهُ خجلاً
شح القصيد وقـامَ البيت يرثيني ***** وقال عـذراً فإني مسني خور
منقووول
ويزاج الله الف خير