فتجده يسرد الصوم ، ويحاول أن يختم في ثلاث ، ويطيل قيام الليل ، ويكثر من الذكر، فيملأ الأسبوع الأول من النشاط الإيماني المفاجئ بنسبة 90% من الأعمال الصالحة .
بالإضافة إلى الانقلاب المفاجئ في تعامله مع الناس ، فتجده واعظا إذا ما عامل الناس تبدو على محيّاه الحرقة على هذا الدين ، وغالب وقته منقطعا عن الآخرين بحجة أنه فرّط كثيرا في حق الله ، وما يمضي الأســبوع الأول حتى تهبط النسبة المذكورة آنـفا إلى 50% ، وما يمضي عدة أسابيع على هذا النشاط الذي أخذ ضوءه يخبو يوما تلو يوم حتى تعود النسبة على ما كانت عليه سابقا ، هذا إن لم يفقد شيئا جديدا مما كان يفعله قبل ( الانفعال الإيماني .
وفي الحقيقة التي لا ينبغي أن أغفلها ، أن هذه الآفة لا تعتري عامة الناس فحسب ، بل ولا حتى فقط طلبة العلم ، بل قد تجتاح ساحة من لبس العمامة ووضع العباءة على كتفيه.
فأقول لمن كان هذا فعله : ( إن المنبت لا أرض قطع ولا ظهر أبقى ) ، وما يأتي فجأة يذهب فجأة ، وأنا لا أريد في هذا المقال أن أضرب أمثلة تكون بعيدة عن الواقع ، أو أن أسرد كثيرا من النظريات الحديثة والتي تتكلم عن تربية الذات ، بل سأتكلم عن تجربتي الشخصية في ذلك وأرجو أن توفي بالغرض الذي من أجله كتبت هذا المقال …
أنا إنسان شديد التسويف ، أغرق في أحلام كبيرة ، أطمح أن أكون ذات يوم مثل سفيان الثوري في تعبده ومثل الشافعي في فقهه ومثل …الخ ، وأخذت الأيام تمضي والشهور بل والسنين وأنا قليل ما أذكر الله في غير الصلوات ، بعيد عن القرآن إلا في رمضان ، بل كانت تمضي الشهور لا أدرك تكبيرة الإحرام فضلا على أن أصلي في الصف الأول …الخ
وكانت لي نزوات إيمانية لكنها كانت قليلة الفاعلية ، فقمت أبحث عن حل لهذا الإشكال …
فصممت أن أترك هذا الأسلوب وأن أنتهج أسلوب أنجع في تطبيب هذه الآفة آلا وهي الخمول الإيماني طويل المدى
فبدأت بأن أقرأ صفحة واحدة من كتاب الله في اليوم ، وأن أقول سبحان الله وبحمده مئة مرة في اليوم قبل المغيب طمعا في المغفرة كما جاء في الأثر ، ووجدت أن من أسباب قلة الذكر لدي هو أني لا أضبط العدد فاتخذت مسباحا لضبطه ، ولا أخفيكم سرا كم كنت خجولا من نفسي وأنا أقرأ صفحة واحدة فقط وأن يكون الذكر بهذا العدد ، لكنني مضيت على هذا الطريق راجيا أن أصل مرحلة بعيدة عن هذه الإضرابات الإيمانية .
… وبرمجت نفسي بأن أزيد كل شهر شيئا قليلا وبسيطا ولا أرهق نفسي ، وبعد عدة أشهر تعودت على الصفحة والصفحتين حتى بلغت خمس صفحات يوميا أقرأها بعد صلاة العصر، وتتابعت الختمات الختمة تلو الأخرى ، وكذلك ذكر الله صارت سبحان الله وبحمده أمر مسلم به بل وهناك استغفار كثير والباقيات الصالحات في كل صباح مئة مرة… ما هذا ؟ أنا أفعل هذا !…هل صرت فعلا ممن يذكر الله كثير ويسبحه كثيرا ؟؟!! … أما الصلوات فبادئ ذي بدء أخذت على عاتقي أن لا يفوت يوم علي ولا أدرك ولو لصلاة واحدة تكبيرة الإحرام ، واليوم ولله الحمد غالب صلواتي أدركها كاملة، فاستفدت مما خططت لنفسي ووصلت لنتيجة مذهلة نسأل الله الثبات على دينه .
وهذه التجربة ما هي إلا تطبيقا للحديث النبوي (( قليل دائم خير من كثير منقطع )) فأحببت أن أنقل إليكم هذه التجربة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
منقول
في ميزان حسناتك أن شاء الله