الحديث الأول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان}
أولا: المراد بالقوة في الحديث:
وهي عزيمة النفس الصادقة، وهمتها العالية وإرادتها المتينة، وذلك بالطبع نابع من صحة سليمة (فالعقل السليم في الجسم السليم).
أما قوة الجسم مع خواء النفس وخرابها، ومع العزيمة الفاترة، والغباء وتلبد الحس، فذلك غير مراد في الحديث، والله سبحانه أهلك كثيرا من هؤلاء لأن استغلوا قوتهم في الجبروت والطغيان {ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد}.
ثانيا: منزلة القوة من الإسلام:
القوة بالمعنى الذي ذكرناه تكون السبيل لبقاء الدين، فهي السبيل لحماية الدولة الإسلامية من قبل الأعداء، وهي السبيل الوحيد للمسلم الملتزم بإقامة دينه كما يجب دونما تخلي أو خوف أو خجل من دينه.
لفتة: هذه إحدى مشاكل الأمة الإسلامية حاليا … حيث تكالبت عليها الأمم … وأصبح المسلم في غربة من دينه … بل وبعض المسلمين يخجلون من التزامهم.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من جملة دعائه (وأعوذ بك من العجز والكسل).
ثالثا: فوائدها ونماذج لها من حياة رجالات هذه الأمة:
1.الجرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون خوف أو مجاملة:
كما وقع من العز بن عبد السلام في مواطن كثيرة جدا، على سبيل المثال مع الظاهر بيبرس البندقداري.
2.حب الجهاد والمسارعة في الخروج إليه:
كما صنع بلال مع سيده أمية بن خلف في غزوة بدر الكبرى، وكما هو الحال بالنسبة لابن مسعود مع أبي جهل.
3.الصبر على الأذى، واحتمال المشاق في سبيل الله:
كما هو حال أخوتنا في حماس اليوم.
4.المحافظة على الشعائر التعبدية بالرغم من الضغوط:
كما هو حال أخواتنا المحجبات في الدول الغربية.
رابعا: الطريق إلى اكتسابها والتحلي بها:
1.الإخلاص لله عز وجل قولا وعملا وخاطرا، فمن أعطى نفسه لله أعانه الله وكان معه.
2.التجرد من كل حول وقوة إلا من حوله وقوته سبحانه.
3.عد الشعور بالضعف والعجز (ولاتعجز).
4.الحرص على التحلي بكل ماهو مفيد ونافع (إحرص على ماينفعك).
5.المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل (وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألتني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
6.التقشف في العيش ونبذ حياة الترف والدعة والراحة.
7.مطالعة سيرة السلف والتوقف على مقدار مالاقوا من شدة وأذى:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثل
إن التشبه بالرجال فلاح
8.دوام التأمل في النفس والكون: فإن ذلك مما يعرف الغنسان بحقيقة نفسه فلا يتكبر (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
9.مذاكرة العلم وحضور مجالسه فهو سبب السكينة والوقار والرحمة، بل والذكر في الملأ الأعلى (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
10.مصاحبة الصالحين والأخيار من الناس فإنهم يذكرونك إذا نسيت (من يرد الله به خيرا يهده خليلا صالحا إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه).
11.الابتعاد عن المعاصي والسيئات لمضرتها للعقل والبدن والدين (خمس أعيذكم بالله منهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: ماظهرت الفاحشة في قوم فيعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض والأوجاع التي لم تكن فيما مضى من أسلافهم ).12.ممارسة الأنشطة الرياضية النافعة خصوصا السباحة والرماية وركوب الخيل، لورود الترغيب فيهن.
ما يستفاد من الحديث دعويا وتربويا:
1.ضرورة تحرك المسلم واهتمامه بقلبه وعقله وبدنه حتى يقدر على تنفيذ المهام المنوطة به.
2.ضرورة التحرر من العجز والكسل والاستعانة التامة بالله عز وجل.
3.ضرورة سد الطريق على الشيطان المثبط للعزائم، بألا يسمع المسلم لوسوسته ولو بكلمة "لو"، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ويستثنى من ذلك التأسف على الطاعة {لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة}.
4.ضرورة الرحمة والإشفاق على المسلم الملتزم بالإسلام في نفسه، المقصر في واجب الدعوة والجهاد، إذ هو مع تقصيره خير من ملء الأرض ممن يحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (وفي كل خير).
أشكر كل من قرأ ونلتقي مع الحديث الثاني ….