تخطى إلى المحتوى

العقل والوحي وقضية الإيمان بالغيب

  • بواسطة

المقصود بالغيب هنا الله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان هنا يعنى اليقين في كل ذلك .

والمقصود بالعقل هنا العقل المكلف الباحث عن الحكمة والهدف والغاية ( القلب أو اللب )

وإذا كان العقل يوقن بالمغناطيسية والكهرباء وهو لم يراها، ويوقن بالجاذبية والإلكترون وهو لم يراه، ولكن بمشاهدة الآثار تعرف على ما ورائها من مؤثرات، فعندما يرى ذلك العقل ساعة او جهاز معقد أو حتى عود ثقاب او دبوس يوقن العقل ان هناك عالم خبير حكيم عليم صنع ذلك وأن لم يراه . وعندما يشاهد مبنى ضخم وفخم يوقن بأن هناك مهندس قدير قد قام ببنائه ، فكيف إذا راي كون يحيط به شديد الضخامة منظم وبديع كالكواكب والنجوم والمجرات، أو غاية فى الصغر والدقة والتقدير كالذرات والموجات والجزيئات تحكمه قوانين غاية فى العلم والحكمة والدقة ، حتما سيوقن العقل أن فوق كل ذلك خالق له صفات الكمال، قيوم لا يغفل ولا تأخذه سنة ولا نوم ، فالعلم فى الخلق يدل على ان الخالق عليم والحكمة فيه تدل على ان الخالق حكيم وإستمرار الخلق فى نظام مضبوط بلا خلل يدل على ان الخالق قيوم.

وعندما يشاهد العقل آيات الحكمة وميزان العدل والتوازن فى صنعة الله يوقن بأن هذا الكون لم يخلق عبثا بل خلق لهدف غايته الكمال

ولِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ( آل عمران )

أن العقل المكلف الحر عقل فريد يشكل آية من آيات الخلاق العظيم ، إنه عقل كوني وعقل ميتافيزيقي ( باحث عن الحكمة ) .

عقل كوني لأنه مزود ببرنامج متطابق مع برنامج كون يحيط به ، ويتم استكمال أداته ( المخ) وظيفيا في فترة حدية بعد ولادة الطفل ، وفقا لظواهر وإيقاعات الكون من حوله بحيث تصبح مناطق الإدراك العليا فيه امتدادا عضويا للكون من حوله .

وعقلا ميتافيزيقيا ( باحث عن الحكمة ) لأنه مجهز بقناة راقية لا تكتفي بمشاهدة ظواهر ومظاهر الكون من حوله بل تتفكر فيما فوقها من حكمة .

ولأن برنامج ذلك العقل يمكن أن يحدث له تشويش بفعل الشياطين، فإن الوحي نزل ليصاحبه في رحلة التكليف حتى يعصمه من الانحراف والشوشرة . ولأن العقل كوني والكون معقول فإن الوحي الحق المحفوظ تضمن دلائل عقلية لكون معقول يقود بها العقل المكلف في رحلة على سلم عالم الأسباب حتى إذا وصل إلي منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه .

إن الوحي برنامج مساعد ومكمل يعصم القلب ( العقل ) سريع التقلب ، يعصمه من الزيغ والتشويش ويعدل برنامجه كلما تعرض للشوشرة.

والوحي الصادق مضمنا بالدليل على صدقه، ففي روحه القاهر وإعجازه الشامل وشفائه الناجح وصدقه الواضح دليل على ذلك ، إذا تعشق به القلب ( العقل ) استقام وعصم وإذا تركه زاغ وقصم ، فهو رجوم الشياطين وهو المصباح المنير.

ولقد تفرد القرآن الكريم بقيادة العقل المكلف على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيوقن، فهو يأخذ بالعقل في رحلة في ظواهر ومظاهر الكون من حوله منشطا قناة العقل الباحثة عن الحكمة ( الميتافيزقية ) حتى لا يكتفي العقل بمشاهدتها وتسخيرها بل يتعرف على ما فوقها من هدف وحكمة وغاية ، فيوقن أن ذلك الكون المنظم البديع المتقن والمسخر للمخلوق المكلف لابد أن يكون من فوقه خلاق له صفات الكمال ، وأن تلك الآيات لا يمكن أن تكون قد خلقت باطلا أو لهوا بل لابد أن تكون لهدف وغاية فيوقن العقل بالرسل تحمل رسالات الهدى للمكلفين ويوقن بيوم الحساب ، ويقدم القرآن للعقل المتقدم الحديث إشارات علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة وصفا يتطابق مع ما وصل إليه العلماء بأدق وسائل التقنية المكتشفة بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام ، فيوقن العقل بأن القرآن كلام الخالق المحفوظ .

كيف نوقن بان القرآن الكريم كلام الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ ليدين به المكلفين ؟

وكيف نوقن بأن الإسلام هو دين كمال البشرية العالمي الخالد بلا منافس أو بديل ( طوق النجاة للعالمين ) ؟

عندما يتدبر العقل القرآن ويقارن بينه وبين النصوص الأخرى المتاحة حاليا يجد العقل البينة فيما يأتي :

1- أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يحس المستمع إليه أنه يأتي من السماء ( روح النص ) .

2- أنه الكتاب الوحيد الخالي تماما من التناقض والاختلاف والتحريف والمحفوظ كما انزل (لأنه كلام الله )

3- أنه معجز في معانيه ومبانيه .

4- أنه الوحيد الذي ينزه الله عم لا يليق بكماله ، وينزه الرسل مما لا يليق بحملة رسالات الله .

5- أنه الوحيد الذي أشار إلى حقائق علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى الخلق الآخر وصفا علميا يتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بعد نزوله بأكثر من ألف عام .

6- أنه برنامج مكمل للعقل المكلف يعدل إعوجاجه ويشفى أمراضه ويذكره بأن يأخذه في رحلة عقلية على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيؤمن ( وهو في ذلك بلا منافس أو بديل ) .

7- أن في القرآن وعلوم الإسلام دستورا عالميا يحقق العدل والتواذن بين الإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله ( بلا منافس أو بديل ) .

8- القرآن خالي تماما من الكلمات الفاحشة التي لا تليق بكلام الله ، وكل ما جاء فيه دعوة إلى التوحيد الخالص والعلم والطهارة والعدل والصدق التي تأخذ المكلفين من دنيا القردة والخنازير إلى عنان السماء مع الملائكة المقربين .

9- القرآن يهيمن على ما سبقه من رسالات ويحتوى على نص صريح بأنه الخاتم .

والدراسات الصادقة المحايدة لمدارس مقارنة الكتب المقدسة أكدت ذلك محليا وعالميا ، وكذلك المناظرات العالمية الجادة بينت ذلك بحياد بعيدا عن التعصب والعصبية .

وهاهي المبادئ الإلحادية التي تنكر الخالق الرقيب الحي القيوم وتنكر يوم الحساب تحول العالم إلى غابة من الوحوش الظالمة المجرمة وتنشر الفوضى والقتل والفواحش ، وتغرق العالم بطوفان الربا الظالم المدمر وطاعون الإيدز ، وتسمم البيئة وتنشر الإرهاب والكآبة التى تقود إلى الانتحار ، مما يهدد البشرية كلها بالفوضى بل بالهلاك ، ولا نجاة للبشرية إلا فى الإسلام دين كمال البشرية العالمي الخالد الرحمة المهداة الذي يقود العقل لليقين بالرحمن الرقيب وبالوحي الهادي وبيوم الحساب ، فتستقيم النفس وتطمئن وتوقن بأن فوقها قوة لا يعجزها شيء تلجأ إليها في الشدائد ورقيب قيوم لا يغيب عنه شيء حكم عدل ، وأن من ورائها يوم للحساب بفوز فيه الصالحين ويعذب المارقين الفجار المتكبرين في الأرض ، ونفس بهذا اليقين لا تكتأب أبدا ولا تظلم ولا تنشر الشر والفساد بل نفس مطمئنة تعيس للحب والعدل والحرية .

وفى الإسلام دستور عالمي يحقق العدل والتوازن في قيادة البشرية ويعصمها من الخراب قد لخه الحق فى :

( أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )

والتاريخ يشهد بأن الإسلام عندما حكم العالم قرابة الألف عام نشر العلم والعدل والحق والحرية ، وحتى الآن إذا حزب البشرية أمر يهددها فأن الحل فى الإسلام شائت أم أبت أقرت أم أنكرت .

فيا أمة التوحيد أن ما بك من مهانة وزل بسبب إنسلاخك عن النبع الصافي واحة المان في حمى العزيز المهيمن القهار ، فهل تقارنين بين حالك الآن وحالك عندما كنت بهوية الإسلام عندما تحركت خيول النصر تحمل رايات التوحيد لتشرق الأرض بنور ربها .

فهل تعودي إلى دين كمال البشرية العالمي الخالد في حمى من يقول للشيء كن فيكون ؟

الحبيب الشقيق لا تنسى الأمل في الرجوع إلى هوية الحق هوية الإسلام والوحدة فيه ، وأن تجعل ذلك مشروع حياتك قبل مماتك ، وأن تسعى من أجل ذلك بالنصح والعلم والفكر والرحمة والمودة بالحكمة والموعظة الحسنة كما بين الهدى ونور الحق بلا كلل أو فتور أو ملل سخر كل إمكانياتك وإتصالاتك للتواصى بهذا الأمل الغالي الذي من أجله خلقت ، ولا تنسى أن من يلوز بحمى الله فلا غالب له ومن يتوكل عليه فهو حسبه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.