جدة: أحمد محمد عزوز
قال الله تعالى: «واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون»، حيث قرن الخالق عز وجل الرحمة بالإستماع والإنصات الجيد لآي الذكر الحكيم, وقال الأوزاعي:«حسن الإستماع.. قوة للمتحدث» فيما يتوهم البعض أن الإنصات أو الإستماع للآخر نقطة ضعف, ولكن لو تمادى شخص ما في مدح آخر في هذا العصر لقال: «هو مستمع جيد».
وعن حسن الاستماع للآخر وفن الانصات صدر أخيرا كتاب بعنوان «أنصت يحبك الناس» اسهب خلاله مؤلفه محمد النغيمش عضو جمعية الإنصات الدولية في التعريف عن هذا الفن وأنواعه, واهميته في العمل والمنزل والتعلم, وتناول في فصوله الست كيفية استخدام المنصت لحواسه لجعل إنصاته واستماعه للآخر إيجابيا, وطرق الإنصات لحديث التفاصيل وطرح الأسئلة, كما ضمنه تطبيقات وتمارين عملية مقترحة.
يبين المؤلف ـ وهو كاتب كويتي متخصص في مجال تطوير الإدارة بصحيفة القبس الكويتية ـ أن هناك فرقا كبيرا بين الإنصات والإستماع, معرفا الأول بأنه: «التركيز العميق فيما يقوله المتحدث «واما الاستماع فيعرفه بالقول: «هو إلتقاط الأذن لحديث ما سواء بقصد أو من غير قصد السامع» مشيرا إلى أن الفرق بينهما يكمن في ان الإستماع قد يكون بالصدفة أو من غير قصد, فقد يمر الشخص بشارع ويسمع صوت قطار أو احدا يناديه أو طفلا يبكي, أما الإنصات فهو «العزل التام والكامل للمؤثرات المحيطة»، موضحا أن هناك إنصاتاً سلبياً وآخر مصطنعاً, وهناك إنصات إختياري وهذا الأخير«إنتقائي» لسماع ما يراد سماعه فقط وهذا النوع يتضح عند محاولة البعض الإنصات للأطفال, فيما يأتي في المقدمة النوع الفعلي والصادق من الإنصات للآخر, وهو الذي يكون بقصد الإستماع بنية جادة وصادقة للفهم, مشيرا أن الإنصات يعد من أهم مهارات اللغة الأولية يأتي التحدث بعدها وكذلك القراءة والكتابة. وعن كيفية جعل الآخر ينصت لك ينصح محمد النغيمش القارئ بأن يكون حديثه هادفا وواضحا حيث أن عدم وضوح الهدف ربما يولد فهما مغلوطا لدى المستمع, ويكون التحكم في حركات العينين مفيدا أن توزيع النظر أثناء الحديث يشحذ انتباه المستمعين, كذلك انتقاء الحديث المقبول والسهل والمفهوم ناصحا في هذا الصدد الأكاديميين عدم استخدام مصطلحاتهم العلمية أمام العوام وكذلك أمام الأطفال خاصة طلاب المرحلة الإبتدائية «الذين قد لا يفهمون لغة عالية الأسلوب قد تعيق الفهم لديهم» مع ذكر الحقائق والقصص في بداية الكلام وتضمينها الحديث, وإستخدام إعادة الجمل والأفكار, وتشجيع الآخرين على المشاركة, واستخدام الأيدي التي هي سمة أساسية للمتحدثين المؤثرين ومنهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث له عندما قال: يقول الله تبارك وتعالى: (من تواضع لي هكذا رفعته هكذا) وظل النبي يشير بباطن كفه إلى الأرض حتى أدناها ثم قلب ظهر كفه ورفعه حتى جعله في السماء.
وحول كيفية كشف المنصت المتصنع يؤكد الباحث أن هناك طرقا عملية تفرق بين الإنصات الجدي والمتصنع مشيرا أن العلماء في هذا المجال إكتشفوا أن جسد الإنسان ويديه ونبرة صوته هي إتصالات غير شفهية تتكرر عند غالبية الأشخاص عندما يواجهون مواقف معينة منها إنحناء المستمع بنصف جسده باتجاه المتحدث وهو ما يعني أنه يتصنع الإنصات, كذلك يعتبر تقاطع الذراعين على الصدر بمثابة حاجز وهمي يضعه المنصت لمحدثه. وتطرق النغيمش إلى عدة إيماءت وحركات تدل على ضجر المنصت من المتحدث منها حك الأذنين, وابداء الملل, وقرع الأصابع والأقدام, وتربيع الذراعين, وفرك راحة اليدين وغيرها من الأشياء التي تدل على عدم تفهم الآخر.
وهناك عوائق تقف بين المنصت والمتحدث, أولاها كما يشير مؤلف الكتاب طريقة التحدث, وهذا ما يظهر جليا اثناء المحاضرات أو الإجتماعات أو الدروس الدينية, مشيرا في هذا السياق إلى وجود ثلاثة أنوع من الحضور.. الأول الذي يلتزم بلإنصات للمتحدث, والثاني من يتكلم إلى الذي بجانبه بين الفينة والأخرى, واخيرا من يحضر بجسده ويكون ذهنه في حالة شرود, فيما يؤكد أن الانتقائية في الإنصات تمثل العائق الثاني عندما يمارسها بعض الأشخاص معتقدين إيجابيتها, وعندما يجدون المتحدث شارد الذهن, وقد يتوهم المتحدث أن الذين أمامه لا يشعرون بأنه شارد الذهن وهذا خطأ ظاهر وكما يؤكد نغيمش فإن كثير من الناس يتمتعون بقوة ملاحظة غير عادية قد لا تبدو على وجوههم, وهناك أيضا الحكم المسبق على المتحدث من قبل المنصت وهي كما يسميها المؤلف «عادة مذمومة» وقد تفوت على المنصت الإستفادة من معلومة هو في أمس الحاجة إليها ولو تريث حتى ينتهي الحديث فربما كانت سببا في تغيير نمط حياته.
ويمضي الباحث في الإسهاب عن معوقات الإنصات ويوضح أن هناك احصائيات تشير إلى أن معدل الكلمات التي ينطق بها الشخص هي 200 كلمة في الدقيقة بينما تتجاوز سرعة تفكير الدماغ بمعدل 850 كلمة في الدقيقة، مشيرا أن سرعة العقل واللسان قد تكون احدى المعوقات التي تواجه المتحدث أمام المنصت, لذا عليه في حالة الشرود التركيز على النقاط الهامة وعدم الإستعجال في الطرح, كما أن عليه إختيار الزمان والمكان وعليه تجنب الأماكن الحارة, وكذلك الأمكنة ذات التجمع الوقتي مثل المصاعد أو مواقف السيارات وغيرها, كما ينصح في هذا الإطار المتحدث بالبعد عن الغموض والتحدث عن الذات وعدم إدراج التجارب غير السارة في الحديث, فيما ينصح المنصت إلى عدم النظر إلى اللأشياء الشخصية مثل الساعة, واللجوء إلى الأسئلة الغامضة والصوت المرتفع, أو التوهم أن إنصاته للآخرين يعد ضعفا منه.
وعن هذا الكتاب يؤكد الدكتور طارق السويدان الباحث الكويتي الإسلامي المعروف بالقول: «كتاب رائع في موضوعه, ألفه شاب مبدع تميز في طريقة طرحه وترتيبه» أما الكاتب الدكتور أحمد الربعي فيقول: «الإنصات فضيلة ونعمة, وهذا الكتاب يحاول أن يعلمنا كيف ننصت».
{=
ذكرتيني بمعلمه ايام الثنويه .. كانت اتقول الله خلق لنا اذنين ولسان واحد .. عشان نسمع اكثر من ان نتكلم =)