ثمار الإيمان في الحياة الآخرة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن للإيمان ثماراً عظيمة في الدنيا والآخرة يجنيها أهل الأيمان الذين حققوه في قلوبهم فظهر على جوارحهم وفي أعمالهم، فرضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ – صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، وكل هذه الثمار جاءت في ثنايا آيات القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ونذكر هنا ثمار الإيمان في الحياة الآخرة مستندين في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – مع إيجاز في ذلك:
1- الخاتمة الحسنة: فهي أول الثمار التي يلقاها المؤمن وهو في طريقه إلى عالم الآخرة، حيث تحسن خاتمته، ويموت ميتة حسنة، وتحصل له جملة من المبشرات من نزول الملائكة بالبشارة لهم بالأمن وعدم الخوف، والبشارة بالجنة والنعيم المقيم قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(النحل:32)، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ }(فصلت:30-31).
– التثبيت عند السؤال في القبر: قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}(إبراهيم:27) فهذه الآية وردت على القول المشهور في سؤال الملكين في القبر، وتلقين الله المؤمن كلمة الحق في القبر عند السؤال، وتثبيته إياه على الحق، فالثبات حاصل لأهل الإيمان في الحياة الدنيا على القول الحق، وهي شهادة التوحيد، وهو حاصل لهم في الآخرة عند القبر فهو أول منازل الآخرة، ومن مظاهر التثبيت ما ورد في الصحيح عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قولُ اللهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}))"1.
والمؤمن يثبت عند السؤال: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقال له: وما دينك؟ يقول: ديني الإسلام، ويقال له: ومن نبيك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه -.
3 – التوسعة في القبر: فالمؤمن يوسع له في قبره، ويرى مكانه من الجنة؛ وذلك بعد سؤال الملكين له وثباته في الجواب، وقد جاء في حديث البراء بن عازب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((… فينادي منادٍ في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره…))2.
4 – الأمن من الفزع الأكبر: قال تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}(الأنبياء:103) وقد اختلف أهل التفسير في المراد بالفزع على عدة أقوال: فقيل: وقوع طبق جهنم عليها، وقيل: النفخة الأخيرة، وقيل: الأمر بأهل النار إلى النار، وقيل: ذبح الموت، وقيل: إذا نودي: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}(المؤمنون:108)، وقيل: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء}(الأنبياء:104)، وقيل: أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب، وقيل: المراد الموت، وأياً كان الفزع الأكبر فأهل الإيمان آمنون منه، لا يحزنهم فقد نجوا منه، وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم، ويقولون لهم: هذا ما كنتم توعدون به في الدنيا وتبشرون، فما أعظم هذه الثمرة لأهل الإيمان، ثمرة النجاة والأمن من الفزع الأكبر، اللهم آمنا من الفزع الأكبر، واجعلنا من الآمنين يا رب العالمين.
5 – الوقاية من شر يوم القيامة: فأهل الإيمان آمنون من الشر المستطير في اليوم العظيم: من بأسه، وشدته، وعذابه وأهواله، وهو أشد الأيام وأطولها بلاءاً قال تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}(الإنسان:11)، وهذا هو يوم الأمن والرخاء والنعيم اللين الرغيد جزاءاً لهؤلاء القائمين بالعزائم والتكاليف، الخائفين من اليوم العبوس القمطرير، الخيرين المطعمين على حاجتهم إلى الطعام، يبتغون وجه الله وحده، لا يريدون شكوراً من أحد، وإنما يتقون يوما عبوساً قمطريراً.
6 – الحساب اليسير، وإعطاء الكتاب باليمين: قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ*فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}(الانشقاق:7-9)، بخلاف المشرك الذي يأخذ كتابه بشماله، ويدعو بالثبور والهلاك، فأهل الإيمان هم أهل السرور الآجل عندما ينقلبون إلى أهلهم، وهذا من تمام النعمة عليهم، وقد ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من حوسب عذب)), قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}، قالت فقال: ((إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك))3.
7 – النجاة من النار: قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}(مريم:72)، وهذه الثمرة من أعظم الثمار، كيف لا وبها سعادة المرء في الدنيا والآخرة، وأي سعادة وفوز بعد هذا الفوز؟ قال الحق تبارك وتعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}(آل عمران:185).
8 – النور الذي يكشف الطريق الموصلة إلى الجنة: قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(الحديد:12)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم مَن نوره مثل الجبل، ومنهم مَن نوره مثل النخلة، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقد مرة، ويطفأ مرة"4
9 – استقبال الملائكة لهم بحفاوة: قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا َقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزمر:73).
10 – الخلود في الجنة: قال تعالى عن المؤمنين: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(المؤمنون:10-11)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(الأعراف:42).
11- لهم ألوان مختلفة من النعيم في الجنة:
* من الأزواج المطهرة: قال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:25).
* والرضوان والنعيم المقيم: قال الله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ}(التوبة:21).
* والمساكن الطيبة: قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(الصف:12).
* وأن ينزع الله الغل من صدورهم: قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}(الأعراف:43).
* والنظر إلى وجه الله الكريم: قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}(يونس:26).
* وأنهم يحلون من أساور من ذهب، ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق: قال تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}(الكهف:31).
* والرزق المعلوم: قال تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ*فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ*فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(الصافات:41-43).
* والظلال والعيون والفواكه الشهية: قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ*وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(المرسلات:41-43).
فهذه نماذج من النعيم المقيم الذي يلقاه أهل الإيمان في دار النعيم، نسأل من الله العزيز القدير أن يجعلنا منهم بمنِّه وفضله وكرمه إنه على كل شيء قدير.
رواه البخاري برقم (1280).
2 رواه أبو داود برقم (4127)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3558).
3 رواه البخاري برقم (100).
4 المستدرك (2/408)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3591)
منقول: موقع إمام المسجد.
يزاج الله الف خير