تعرف الإنسانية رسولاً هادياً ولا زعيماً مُصلحاً ولا إنساناً متواضعاً كما عرفته في شخصية سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم (صلى الله عليه وسلم)، ومع أن لله رسلاً عظاماً لا نفرق بين أحد منهم في مهمتهم الدعوية، وللبشرية زعماء مُصلحون وكثير منهم إصلاحهم بمفهوم بشري، وفي الإنسانية أناس متواضعون قد يكون اصطناعياً..
أما سيدنا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) فيختلف عن هؤلاء كلهم في هدايته وزعامته وإنسانيته؛ فرسالته وهدايته عالمية وأبدية، وزعامته وإصلاحه ربانية، وإنسانيته وتواضعه ذاتية.
لقد جاء إلى هذه البشرية وهو يحمل الهمَّ الذي لا منتهى له ليهديها إلى صراط الله العزيز الحميد المستقيم، حتى كاد يحمله همه بأمة دعوته أن يودي بحياته، حتى أشفق عليه ربه وعتب عليه أن كلف نفسه فوق طاقتها، وقال له معاتباً ومسلياً: }لعلك باخع ـ أي مهلك ـ نفسك ألا يكونوا مؤمنين{ }فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا{ ثم أيأسه الله تعالى ممن لم يرد له الهداية بقوله:}إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء{ وقال له: }إن عليك إلا البلاغ{ فلماذا يحمل هذا الهم بأمة دعوته؟..ليس ذلك إلا لأنه رحمة، والرحمة من شأنها أن تعم كل ما من شأنه أن يرحم، والبشرية كلها أهل لأن ترحم؛ فلذلك بعثت هذه الرحمة المتمثلة بشخص سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لها لينقذها من عذاب أليم شديد لا طاقة للبشرية به، وهو ما بينه (صلى الله عليه وسلم) بالمثل الذي ضربه لنفسه وللبشرية، كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة.. كما أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما، فهذا هو الداعي إلى الله بكل ما أوتي من رأفة ورحمة وحنان بالبشرية؛ فما بال الذين لم يجيبوا دعوته ليدخلوا إلى جنة الله الخالدة ونعيمه المقيم غير راضين عنه؟!
أما كان الأولى بهم أن يعرفوا من هو محمد بن عبدالله؟ فهو بين ظهراني الإنسانية بما ترك من أثر عظيم تمثل في أمة تقدر بربع البشرية تدين له بالولاء والمحبة والإسلام، وتفديه بنفسها ومالها وما ملكت يداها؟
أما كان لها أن تعرف أن محمداً الرسول هو المبشر به في التوراة والإنجيل، معروف فيهما باسمه وصفته ونسبه وحسبه وأمته؟
أما كان لها أن تعرف أن محمداً لم يكن من المتكبرين ولا من المتجبرين، فهو الذي بعث بالحرية وعلم الناس الكرامة الإنسانية والحرية الدينية والفكرية؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً.. ولعل هذه الإساءات توقظ الضمائر وتحرك السرائر وتعيد المسلمين إلى رشدهم في اتباع نبيهم والتمسك بدينهم، فكم من محنة وراءها منحة، قد لا تدركها العقول ولا تحتويها النقول ولله في خلقه وشؤون وهو يقول الحق ويهدي السبيل.
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
ولا رد
على العموم الاجر عند رب العالمين هب بعدد المشاركين
دمتن في حفظ الله ورعايته