الجائزة
.. مكث سراقة رضي الله عنه قليلا حتى لا يثير اهتمام أحد ، فلما دخل القوم في حديث آخر إنسل من بينهم ، ومضى خفيفا مسرعا إلى بيته ، وأسر لجاريته بأن تخرج له فرسه في غفلة من أعين الناس ، وأن تربطه له في بطن الوادي ، وأمر غلامه بأن يعد له سلاحه ، وأن يخرج به خلف البيوت حتى لا يراه أحد ، وأن يجعل السلاح في مكان قريب من الفرس ، ولبس سراقة رضي الله عنه درعه ، وتقلد سلاحه ، واعتلى صهوة فرسه ، وطفق يغذ السير ليدرك محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن يدركه أحد سواه ، ويظفر بجائزة قريش .
عثرات الفرس
ومضى سراقة رضي الله عنه يطوي الأرض طيا ، لكنه ما لبث أن عثرت به فرسه وسقط عن صهوته ، فتشاءم ، وقال : ( ما هذا ؟ تبا لكِ من فرس ) وعلا ظهره، غير أنه لم يمضِ بعيدا حتى عثر به مرة أخرى ، فازداد تشاؤما ، وهم بالرجوع ، فما رده عن همه إلا طمعه بالنوق المائة ، فلم يبتعد سراقة رضي الله عنه كثيرا عن مكان عثور فرسه حتى أبصر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه ، فمد يده إلى قوسه ، ولكن يده جمدت في مكانها .
ثم رأى قوائم فرسه وقد ساخت في الأرض ، فدفع الفرس فإذا هي قد ساخت ثانية في الأرض ، كأنما سمرت بمسامير من حديد ، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وقال بصوت ضارع ، وقد أدرك لا بعقله ولكن بفطرته أن خالق الكون مع محمد صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه وقال بصوت ضارع يا هذان ادعوا لي ربكما أن يطلق قوائم فرسي ولكما علي أن أكف عنكما ) فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق الله له قوائم فرسه فأطلقت.
سواري كسرى
تذكر سراقة رضي الله عنه المائة ناقة ،وقد دنا المطلوب وها هو علي بعد أمتار منه، فما لبثت أطماعُه أن تحركت من جديد ، فدفع فرسه نحوهما فساخت قوائمه هذه المرة أكثر من ذي قبل ، وهذه للنبي معجزة ، ولغيره من المؤمنين كرامة . فاستغاث بهما للمرة الثانية وقال : ( إليكما زادي ، ومتاعي ، وسلاحي ، ولكما علي عهد الله أن أرد عنكما من ورائي من الناس )،
فقالا له : ( لا حاجة لنا بزادك ، ومتاعك ، ولكن رد عنا الناس ) ثم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرسه ، فلما هم بالعودة ناداهم قائلا تريثوا أكلمكم ، فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه ) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما تبتغي منا ؟ فقال رضي الله عنه : ( والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك ، ويعلو أمرك فعاهدني إذا أتيتك في ملكك أن تكرمني ، واكتب لي بذلك ، أريد وثيقة ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه فكتب له على لوح عظم ، ودفعه إليه ، ولما هم بالانصراف قال له النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبدو أن هذا وحي من الله ، قال له كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ ) فقال سراقة رضي الله عنه في دهشة : ( كسرى ابن هرمز ؟ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم كسرى بن هرمز .
وفاءه بالعهد