أخواتي الفاضلات , نظراً لأهمية الرضاعة الطبيعية وضرورتها للأم والطفل ونظراً لوجود أسئلة كثيرة واستفسارات عديدة تشمل جوانب الرضاعة المختلفة , فقد رأيت أن أقوم بكتابة مواضيع تخصص الرضاعة الطبيعية وتوفر لكل حامل وأم معلومات عامة تغطي معظم أقسام هذا الموضوع المهم .
وسأكتب إن شاء الله المواضيع كسلسلة , وبإذن الله المعلومات ستكون حديثة وبلغة مبسطة ومفهومة ومختصرة , وأتمنى أن تعود بالنفع والفائدة عليكن . وأنا حاضرة لأي أسئلة أو استفسارات .
فوائد الرضاعة الطبيعية بالنسبة للطفل:
تنصح منظمة الصحة العالمية بان يبقى حليب الأم هو مصدر الغذاء الرئيسي للطفل حتى يصل إلى سن نصف سنة, كما توصي بالاستمرار لاحقا (إضافة إلى الغذاء الصلب) بالرضاعة الطبيعية حتى سن السنة. هذه التوصيات, التي تعززها العديد من الأدلة المستمدة من العديد من الأبحاث والدراسات, والتي تشير إلى فوائد الرضاعة الغذائية بالنسبة للطفل, تدعمها أيضا الغالبية العظمى من السلطات الحكومية والصحية في العالم. ومن المتبع تقسيم هذه الفوائد العديدة إلى فوائد فورية (خلال الرضاعة) وفوائد على المدى الطويل (خلال السنين والعقود التي تلي الانتهاء من الرضاعة).
الفوائد الفورية:
1. تحسين اداء الجهاز الهضمي – يحتوي حليب الام على مركبات عديدة تؤثر مباشرة بشكل ايجابي على الجهاز الهضمي. تقوم العديد من المواد, من بينها الهرمونات (كورتيزول, انسولين), عوامل النمو (EGF وغيرها) والاحماض الامينية الحرة (تورين, جلوتامين), بتنظيم نمو وتطور جهاز الهضم. تؤدي عوامل اخرى, مثل مضادات الالتهاب (IL-10), الى تقليل خطر الاصابة بالتهابات في الجهاز الهضمي تهدد خطر حياة الانسان. وعلى راس هذه الالتهابات مرض خطير وقاتل, يدعى الالتهاب المعوي القولوني الناخر (necrotizing enterocolitis-NEC). مركبات جهاز المناعة التي تتواجد بوفرة في حليب الام, مثل الاجسام المضادة (من نوع IgG و IgA) او خلايا جهاز المناعة (البلاعم – Macrophages), تقلل بشكل كبير, من خطر اصابة الطفل بالتهابات في الجهاز الهضمي. تعتبر الانزيمات مركبا خاصا في حليب الام، ايضا, فهي لا تساهم في تنظيم وتنفيذ عملية الهضم السليمة فحسب, بل تحمي الجسم من خطر الاصابة بالالتهابات والامراض العدوائية. في نهاية المطاف, ثبت بان التغذية التي تعتمد على حليب الام تساهم في تكاثر الجراثيم الجيدة، او فلورا الامعاء الطبيعية والواقية، في الجهاز الهضمي لدى الطفل, الذي يكون في طور النمو.
بفضل هذه المركبات وغيرها, اثبتت الابحاث ان الرضاعة الطبيعية, مقارنة بالتغذية التي تعتمد على الحليب الصناعي, تحسن من اداء عمليات الهضم الفيسيولوجية لدى الطفل (يكون تفريغ المعدة اسرع, عملية تفكيك الانزيمات، مثل اللاكتاز، تكون افضل), كما انها تقلل من المخاطر المتعلقة بجهاز الهضم لدى الخدج (كفرط النفوذية) وتقلل بشكل ملحوظ من خطر حدوث مضاعفات عدوائية والتهابية، مثل الاسهال و الالتهاب المعوي القولوني الناخر – NEC.
2. تاثير وقائي من خطر العدوى – اضافة الى الحماية التي يوفرها حليب الام للجهاز الهضمي لدى الطفل, فهو يوفر ايضا الحماية من خطر الاصابة بالامراض العدوائية بصفة عامة. يعود الفضل في ذلك الى العديد من المركبات الخاصة التي لا تتوفر في عبوات الحليب الصناعي التجارية, بما في ذلك البروتينات (اللاكتوفيرين, الليزوزيمات, الاجسام المضادة من نوع sIgA), الدهنيات (الاحماض الدهنية الحرة, احادي الغليسيريد وغيرها), الكبروهيدرات (قليل السكاريد وبعض انواع البروتينات السكرية) وخلايا الدم البيضاء (وبشكل اساسي، العدلات والبلاعم, وهي خلايا ذات قدرة على بلع العديد من العوامل التي تسبب الامراض).
تنعكس المحصلة الاحصائية لهذه المركبات وغيرها بنسبة اقل من الاصابة بالامراض, من زيارات الطبيب, تلقي العلاج في المستشفى ونسبة الوفاة, لدى الاطفال الذين تم ارضاعهم بشكل طبيعي مقارنة باولئك الذين تلقوا الحليب الصناعي على اختلاف انواعه. وقد لوحظ الفرق خصوصا في مجال الامراض العدوائية في مرحلة الطفولة: كان الاطفال الذين حصلوا على الحليب الطبيعي اقل عرضة بـ – 5 مرات للاصابة بالامراض العدوائية في الجهاز الهضمي, كما ان احتمالات اصابتهم بامراض عدوائية في الجهاز التنفسي كانت اقل بنسبة 50% (وعند الاصابة بالعدوى, كانت مدة المرض اقصر بشكل كبير), كما قلت احتمالات اصابتهم بالتهابات في الاذن الوسطى بمعدل 1,5 مرة, وقلت احتمالات اصابتهم بالتهابات في المسالك البولية وتضاءلت نسبة اصابتهم بالانتان (Sepsis). وقد بقيت هذه المعطيات ذات اهمية حتى بعد المقارنة بين المعطيات الاولية (مثل المستوى الاجتماعي, المستوى الثقافي … الخ) الخاصة بالاطفال الذين تغذوا على الحليب الطبيعي واولئك الذين تلقوا حليبا اصطناعيا.
3. يشمل كل شيء: على الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها الشركات التجارية لكي تضمن احتواء الحيب الصناعي على جميع مركبات الغذاء الاساسية التي يحتاج اليها الطفل, الا ان القيود التقنية والاخطاء الانسانية سوف تستمر على ما يبدو في الحد من قدرة الحليب الصناعي على الاقتراب من القيمة الغذائية المتوفرة في حليب الأم. وهذا نظرا لان حليب الام يحتوي على جميع المركبات الغذائية التي يحتاجها الطفل, بل حتى الأمهات اللواتي بعانين من سوء التغذية يكون الحليب لديهن كاملا، عادة، على صعيد قيمته الغذائية, الأمر الذي لا يمكن التأكد منه وضمانه عند تلقي الطفل الحليب الصناعي.
فوائد الرضاعة على المدى الطويل:
1. حماية ضد الأمراض المعدية – يستمر هذا التأثير الايجابي حتى بعد فطام الطفل عن الرضاعة. الأطفال الذين أرضعتهم أمهاتهم لستة أشهر على الأقل كانوا اقل عرضة للإصابة بالأمراض المعدية , حتى بعد أن بدأوا بتناول الطعام العادي. كما ان احتمالات أصابتهم بالتهابات الأذن المتكررة في السنة الأولى اقل بمرتين, فضلا عن ان مدة المرض لديهم تكون اقصر بمرتين حتى سن السنتين, وتكون احتمالات بقائهم في المستشفى للعلاج في مرحلة الطفولة اقل أيضا.
2. الأمراض المزمنة – إذا لم يكن ما ذكرناه كافيا, فالرضاعة تحمي من خطر الإصابة بالإمراض المزمنة عند الكبر, بعد عشرات السنين. خطر إصابة الأطفال الذين تغذوا بالرضاعة من حليب الام بالسمنة هو اقل بمرتين. كما إن الرضاعة تقلل من خطر الإصابة بالأمراض السرطانية في مرحلة الطفولة, إضافة إلى تقليل خطر الإصابة بأنواع معينة من الإمراض السرطانية (اللوكيميا – سرطان الدم) مدى الحياة. كما تسهم الرضاعة, بعدة طرق, في تقليل الإصابة بعوامل الخطر التي تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (مستوى دهنيات غير سليم, داء السكري, ارتفاع ضغط الدم وغيرها) وأمراض الشرايين التاجية في القلب, مستقبلا. يكون الأطفال الذين تم إرضاعهم اقل عرضة للإصابة بداء السكري, وخصوصا من النوع الأول (سكري الأطفال), وقد يعود سبب ذلك إلى التعرض لفترة اقل لحليب الأبقار (الذي ثبت انه يشكل احد عوامل الخطر للإصابة بسكري الأطفال). في النهاية, هنالك العديد من الادلة على ان الرضاعة تساهم في تقليل خطر الإصابة بأمراض مناعية, من بينها أمراض الحساسية المختلفة, الربو وغيرها.
3. التطور الدماغي (القدرات الذهنية) – أظهرت معظم الدراسات وجود علاقة بين الرضاعة, لمدة 6 أشهر على الأقل, وبين ارتفاع علامات اختبارات الذكاء (IQ) المختلفة في فترة الطفولة والمراهقة. إضافة إلى ذلك, أكدت العديد من الدراسات إن الرضاعة تعود بالفائدة على الأنظمة الحسية: فلقد كان تطور الأجهزة البصرية والسمعية أفضل لدى الأطفال الذين تم إرضاعهم,
4. تخفيف التوتر- قد تفسر الرابطة العاطفية التي تنشا بين الأم والطفل خلال الرضاعة, وبعض المواد التي تتوفر في حليب الأم, حقيقة أثبتت في العديد من الدراسات والتي لا شك فيها اليوم: ان الرضاعة تسهم في تخفيف التوتر لدى الرضيع.و التأثير المضاد للألم والمهدئ الذي يتمتع به حليب الأم يسهم في تطور الطفل الاجتماعي والعقلي, ويحسن العلاقات بين أفراد العائلة (خصوصا الأم) وبين الطفل الرضيع.
فوائد الرضاعة بالنسبة للام
1. يسهم هرمون الاوكسيتوسين, الذي يتم إفرازه بكميات كبيرة خلال الرضاعة, في تقلص الرحم وفي تسريع عملية التماثل للشفاء بعد الولادة, اذ أن الأمهات المرضعات بعانين من معدل مضاعفات اقل خلال الفترة التي تلي الولادة (والتي تعرف بأنها الأسابيع الستة الأولى من حياة الرضيع).
2. تعاني الأمهات المرضعات من نسبة اقل من التوتر, وقد يعود الفضل في ذلك إلى التأثير المباشر للهرمون، مثل البرولاكتين والاوكسيتوسين (اللذان يشاركان في عملية الرضاعة), والمعروفين بتأثيرهما المباشر على الجهاز العصبي. وقد يفسر ذلك حقيقة أخرى, هي إن نسبة الاضطرابات النفسية لدى الامهات المرضعات, ابتداء بالاكتئاب الخفيف وانتهاء بالاعتداء على الطفل او إهماله, اقل بكثير بالمقارنة مع الأمهات اللواتي لا يرضعن.
3. خبر سار للنساء اللواتي يرغبن في خفض وزنهن: تعتبر الرضاعة عاملا محفزا لفقدان الوزن, وقد يكون ذلك نتيجة لحرق كمية كبيرة من السعرات الحرارية (حوالي 500 سعرة حرارية في اليوم) أثناء الرضاعة.
4. على الرغم من انه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، الاعتماد على الرضاعة فقط كوسيلة لمنع الحمل (اذ قد تكفي استراحة قصيرة نسبيا, لمدة بضع ساعات, لكي تتم الاباضة ويحصل الحمل), إلا أن الرضاعة تؤدي الى تأخير بداية الاباضة (والحيض) بعد الولادة.
5. تقلل الرضاعة بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بسرطان المبيض والثدي (مستقبلا أيضا). إضافة الى ذلك, هنالك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن الرضاعة تسهم في منع وتأخير الإصابة بتخلخل العظام.
6. تقليل خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة, مدى الحياة وليس فقط خلال فترة الرضاعة, بما في ذلك, السمنة المفرطة, أمراض القلب والأوعية الدموية, فرط شحوم الدم (خلل في مستوى الدهنيات في الدم) وغيرها. فعلى سبيل المثال, الأمهات اللواتي ارضعن لمدة تزيد عن 6 أشهر, هن اقل عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 30%.
7. التوفير الاقتصادي – يعتبر الحليب الصناعي مكلفا, إذ أن الآباء والأمهات يضطرون إلى إنفاق الكثير من الأموال من اجل توفيره للطفل, الأمر الذي يمكن تفاديه عن طريق اللجوء إلى الرضاعة الطبيعية. وهذا، بالطبع، إضافة إلى التأثير الصحي الايجابي لحليب الأم, الذي يمنح الطفل فرصا اكبر للتطور والنمو بشكل أفضل, وتكون احتمالات أصابته بأمراض مزمنة اقل, وبالتالي فان معدل الوفاة يكون أكثر انخفاضا.