كيـــف تبكـي مــن خشيـــة الله؟
أن المسلم يستطيع أن يعوِّد نفسه على البكاء من خشية الله ، وذلك من خلال هذه الوقفـات :
1. استشعار الخوف من الله تعالى .
إن هذا البكاءُ ثمرةُ العلمِ النافع ، كما قال القرطبي في تفسير قوله تعالى :
( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ) الإسراء/109 "
هذه مبالغةٌ في صفتهم ومدحٌ لهم ؛ وحُقَّ لكلّ من توسّم بالعلم وحصّل منه شيئاً أن يجري إلى هذه المرتبة ؛
فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذلّ ،
وفي مسند الدّارميّ عن أبي محمد عن التَّيْميّ قال :
من أُوتيَ من العلم ما لم يبُكِهِ لخليقٌ ألا يكون أُوتي علماً ؛
لأن الله تعالى نعت العلماء ، ثم تلا هذه الآية ،…" ." الجامع لأحكام القرآن " .
2. قراءة القرآن وتدبر معانيه .
قال تعالى : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً*
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً *
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) الاسراء/107-109
وقال عز وجل : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ
وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) مريم/58
عَن ابن مَسعودٍ – رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
" اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ،
قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ،
حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً )
قال : " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ومسلم .
3. معرفة عظيم الأجر على البكاء وخاصة في الخلوة .
عن أبي هريرة – رضي اللَّه عنه – قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
" لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع ،
وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ " .
رواه الترمذي والنسائي . وصححه الألباني .
وقوله " حتى يعود اللبن في الضرع " :
هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) "تحفة الأحوذي "
وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى ،
وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ،
وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه ،
ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ ،
ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " . رواه البخاري ومسلم .
ويمتاز البكاء في الخلوة على غيره ، لأن الخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ،
والجرأة على المعصية ،وبعيدة عن احتمال الرياء ، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها ،
واستشعر عظمة الله فاضت عيناه ،فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .
4. التفكر في حالك وتجرؤك على المعصية والخوف من لقاء الله على هذه الحال .
كان بعض الصالحين يبكي ليلاً ونهاراً ، فقيل له في ذلك ،
فقال : أخاف أن الله تعالى رآني على معصية ، فيقول : مُرَّ عنى فإني غضبان عليك ،
ولهذا كان سفيان يبكي ويقول أخاف أن أسلب الأيمان عند الموت .
وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد – وكان جاراً له – يقول :
كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه ،فأتيت أهله ، فقلت : ما شأنه ؟
يبكي إذا أمسى ، ويبكي إذا أصبح ؟! قال :
فقالت لي : يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي .
*****************
لقد كان السلف كثيري البكاء والحزن ، فحين عوتب يزيد الرقاشى على كثرة بكائه ،
وقيل له : لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا ؟!
قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس ؟
*****************
وحين سئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن ؟
قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ،
وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .
*****************
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته :
ما شأنه ؟قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد .
*****************
وانتبه الحسن ليلة فبكى ، فضج أهل الدار بالبكاء ،
فسألوه عن حاله فقال : ذكرت ذنبا لي فبكيت .
*****************
وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية :
( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
*****************
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً ، فقيل له : ما بكاؤك ؟
فقال: لا أدري على ما أقدم ، أعلى رضا أم على سخط ؟ .
*****************
وقال سعد بن الأخرم : كنت أمشي مع ابن مسعود فمَّر بالحدَّادين
وقد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي .
5. استشعار الندم والشعور بالتفريط في جنب الله .
فدموعُ التائبين في جُنْحِ الليلِ تروي الغليل ، وتشفي العليل ،
كما قال شيخ المفسِّرين أبو جعفر الطبري فـي تأويـل قوله تعالى :
( أَفَمِنْ هَـذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ) النجم/59 – 61 :
" لا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي الله ؛ وأنتم من أهل معاصيه ،
( وأنْتُمْ سامِدُونَ ) يقول : وأنتم لاهون عما فيه من العِبَر والذِّكْر ، مُعْرِضُون عن آياته ! " .
" جامع البيان عن تأويل آي القرآن " .
6. البكاء من الشفقة من سوء الخاتمة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحِجْر قال :
" لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم أن يُصيبكم ما أصابهم ؛ إلا أن تكونوا باكين " ،
ثم قنّع رأسه ، وأسرع المشيَ حتى أجاز الوادي .رواه البخاري ومسلم .
وقد ترجم النووي لهذا الحديث بقوله :
( باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم،وإظهار الافتقار إلى الله تعالى ،
والتحذير من الغفلة عن ذلك ) . " رياض الصالحين " .
7. سماع المواعظ المؤثرة والمحاضرات المرققة للقلب .
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال :
( وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ) .
رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه .وصححها الألباني
وفقني الله وإياكن لما يحبه ويرضاه .
الإسلام سؤال وجواب
=================
من مواضيعي
ما اسمك عند الله فى الليل ؟
الفضائل العظيمة لأربع كلمـات
كشف المرأة ليدها في الأسواق
صنفــان مـن أهـل النـار
جزاكـِ الله خيراً ،،
سبحان الله ~ الحمدلله ~ لا إله إلا الله ~ الله أكبر ~ لاحول ولاقوة إلا بالله