الأخوة نعمة من الله ومنة تكرم بها علينا ، قال تعالى :
((لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ))
ولن يُـقـدِّر هذه النعمة قدرها إلا من حُـِرمَ منها .. وهل يُحرم الأخ من أخيه ؟! نعم يحرم ،
وليس الحرمان بالسفر أو البعد ، فمن الممكن أن يفترقا وهما متجاوران ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
" والذي نفس محمد بيده ما تَـوَادَ اثنان ففرّق بينهما إلا بذئب يحدثه أحدهما "
فلقد عوقب الصحابي الجليل ( كعب بن مالك ) على تخلفه عن غزوة مؤتة بهجر إخوانه له ،
يقول كعب : ونهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين مَن تخلف عنه ،
فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي ، وضاقت عليّ الأرض، فما هي التي أعرف ..
ومشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ،
فو الله ما ردّ عليّ السلام ، فقلت : يا أبا قتادة : أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟
فسكت .. فعدت له فنشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم .. ففاضت عيناي " * رواه البخاري .
انظري كيف كان حاله بعد أن تركه إخوانه لذنب أذنبه ،
فاحذري يا أختي من الذنوب التي تباعد بينك وبين أخواتك ،
واعلمي أن تباعد أخواتك عنك يمكن أن يعود إلى ذنب اقترفته يداك ..
الأخوة نعمة يجب شكرها .. فاعلمي قيمتها ، واحذري أن تسلب منك ، ولا تلقي اللوم على أختك وابدئي بنفسك ..
قال بشر الحافي : " إذا قصّرَ العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه ، وذلك لأن الإخوان مسلاة عن الهموم وعون على الدين "
:: رســــالــــة على صـفـحـة بـيــضــاء ::
تخرجت معها في نفس الكلية في نفس العام .. جمع بيننا هدف واحد وغاية واحدة ..
وضم خيالنا نفس الآمال والآلام والمشاعر .. كنا نتفق معاً في كل شيء ، ليس في الأداء فقط ،
بل في الكلمات والأحلام والرؤى كذلك ..
وجدتها .. لكأني وجدت نفسي .. كنت استمع لحديثها الصافي لكأن الكلمات فيه عطور ورياحين وأحرف نور وزهور ..
تعلمت منها الكثير .. تعلمت أنني وهي ملك لهذا الدين ، وأننا بحاجة إليه وما هو بحاجة إلينا ،
وأصبحت أتقد معها أن هذا هو الطريق الوحيد لسعادتنا وسعادة البشرية جمعاء ..
مرت الأيام والسنون .. كبرنا سويّـًا .. وأصبحت أختي تحمل على عاتقها مسئولية العديد من الجمعيات الخيرية
التي تقوم على خدمة الفقراء والمشردين من أبناء هذا الوطن ، وأنا أحمل على عاتقي مسئولية العشرات
من الأيتام المعذبين واللقطاء وذوي الحاجة ، اتصل بهم ، وأزورهم ، وأقوم على حاجتهم ..
أصبحنا لا نلتقي إلا قليلاً من الوقت ونتابع بعض الإجراءات الإدارية الخاصة بالجمعية ،
وكنت ما أزال كلما رأيتها أشعر بما كنت أشعر بالأمس : حب وشوق وصفاء..
أراها تمر من أمامي فأشعر وكأني طير في السماء أطير .. أترك ما في يدي وأقبل عليها لأصافحها بسلام حار
ينبئها بكل ما يعتمل لها في قلبي وخاطري من حب وتقدير ، وهي كأن قلبها قد تبدل بقلب آخر ..
أصبحت لا تلقاني إلا وهي تحمل الأوراق والجداول والمتابعات ،ولا تسألني إلا عن سير العمل وسهولة الإجراءات ،
ولا تتصل بي في الهاتف إلا لتبلغني خبر اجتماع أو عمل ..
اختفت من ملامحها الابتسامة الحلوة التي كانت تأسرني وأستزيد منها لإيماني كي أتقوى على العمل ..
واختفت كلمات الود اللطيفة التي كنت أقتات منها الحب ، حتى إنني كنت ألقاها فأبتسم لها متكلفة لأذّكرها
بأن تبسمك في وجه أختك صدقة فلا تتذكر ..
والآن جئت أذكرها من بعيد على هذه الصفحات البيضاء كبياض قلبها الصافي بأن العمل والمودة لا يتعارضان
وأن القدرة على الاستمرار في مغالبة الآلام ، ورسم الجداول ، وإتقان المتابعات ، وإحسان القيام على أحوال الخلق
طعامها وشرابها العاطفة والابتسامة
تشكين مني ؟
ما أقساكـِ عليّ .. نعم شُغِــلت ، لكني لم أُشغل عنكـِ .. شغلني عهدنا ..
هل تذكرين حينما كنا نحلم أن يستعملنا الله – عز وجل – ؟
هل تذكرين حين كنا نحلم أن يجعل الله نصره للدين على أيدينا ، ونرى أنفسنا عمالاً
لله في كل ليل ونهار ، كنا نجلس طويلاً معاً .. نعم أذكر ..
لكن الحبيبة الغائبة حضرت (( دعوتنا )) فما لينا إلا أن نسلم لها مفاتيح القلوب ..
ويبقى لي ولك حياً في القلب خالصاً لله مجرداً من كل الأهواء .. نعبر عنه في قليل من الوقت بكثير
من المشاعر راجين الله أن يباركها لنا .
ألم تلمحي سهام مشاعري تلك ؟
نظراتي الودود .. لمسة يدي حينما كنا في طريقنا إلى عملنا ؟
هل تذكرين رسائل حب بُعثت لك على هاتفك ؟
كنتِ يا حبيبتي أبث لكِ شوقي وملفات الأيتام تملأ المكان من حولي ..
هل تذكرين وريقةً صغيرة كُتب عليها :
(( لـــو تــعــلمــين كـــمـ أحـبـكـ ))
قذفتها إحداهنّ في حقيبة يدكِ ؟ كنتُ أنا ..
وطمحت أن تتذكري رسم حروفي حينما كنت أكتب لكِ الرسائل الطوال ونحن في الجامعة ..
مازال مكاني محجوزاً عن يمينكِ في أي فرح أو حزن .. هل تتذكرين ؟
من كان يمسك لكِ بفستان زفافكِ ، ويشق لكِ طريقاً وسط الزحام ؟
كنتُ أنا .. من دقّ عليكِ بابكِ ليسر عنكِ أحزانكِ ؟ كنتُ أنا ..
من يدعو لكِ في كل يوم بالعفو والعافية ؟ هو أنا ..
ولكنها عربات لقطار طويل تقف محطاته هنيهة ، لكنها سرعان ما تمضي إلى القصد " الجنة "
يا حبيبتي ، فهناؤنا الحقيقي هناك ، ليس في هذه المحطات العابرة ..
واليوم نفترش الأرض وغداً نفترش الأسِــرّة إن شاء الله .. فقولي : آمين ..
ثم هل تنكرين أننا نتجالس ، بل ونتزاور ؟
نعم قلّتْ .. إلا أنني أحس فيها بكثير بركة لم أشعر بها ونحن صغار .. إنها بركة الدعوة .
أنا لا أدافع عن نفسي .. فقط أدافع عن حبي .. ولكن لا بأس جزاكِ الله عني خيراً على تذْكِـرَتي ،
وسأبذلك مزيداً من الجهد حتى تصلك دعواتي .
:: بــإمـكـانــكـِ الــتــغــيــر ::
عُلا صديقة حميمة ، أحبها من أعماق قلبي ، وقد أعتدنا أنا وهي ألا يمر يوماً دون أن نتقابل سوياً ،
تحكي لي عن تفاصيل يومها ، وما أهمها من أحداث ذلك اليوم ، وكنا نمضي الساعات الطوال على هذه الحال ،
وما إن تنتهي الجلسة ونفترق بعد سلام حميم وتصافح طويل وأعود إلى المنزل ،
فأجد الهاتف قد علا رنينه وتكرر بإلحاح وإحدى أخواتي الصغيرات تنادي : ليلى .. ليلى ، عُلا على الهاتف .. !!
يا إلهي ماذا حدث ؟!
لقد افترقنا لتّونا .. ما الجديد الطارئ الذي جعلها لا تنتظر لغد حتى نتقابل ؟
فتناولت سماعة الهاتف لأسلم عليها بترحاب وقلق ، واسألها من طرف خفي عن سر المكالمة ..
فأجد المافجأة أنها تعيد علي ما قد تحدثنا عنه عصر هذا اليوم في الكلية ، ولكن بتفصيل أدق وتمر النصف ساعة
والساعة وهي ما تزال تتحدث على الهاتف حتى يبلغ الإحباط مني مبلغه ، فيقل انصاتي لها وتجاوبي معها ،
وأهمِــمّ بأن أغلق الخط معللة بعطل في الهاتف ..
أخواتي الحبيبات ، أعلم أن ليلى وعلا نماذج متكررة من أخواتنا ، وحتى نكون موضعيين
فلن نلقي اللوم في هذا النمط السلوكي على عُلا وحدها ،
فليلى أيضاً يقع عليها اللوم الأكبر إذا كان يجب أن تقرر بطريقة لطيفة ومباشرة أن الوقت المتاح للتحدث قد انتهى ،
وتعلل صدقاً بأي شيء مُــلّــح يجب أن تسر في تلبيته ..
كذلك يجب أن توضع دائرة الأخوة في مفهومها الصحيح ، فالأخوة التي جعل الله لها مكانة تُغبط من الأنبياء
والشهداء لا تكون نتيجتها إهدار الوقت حول مشكلات ، إما حقيقية يمكن حلها في جلسة واحدة ،
أو مشكلات وهمية يؤثر الاسترسال فيها بالسلب على مشار الحب في الله ..
فالحب في الله علاقة إيجابية تجعل المتحابين في الله يسيرون بخطوات ثابتة نحو تحقيق هدف ،
هو أسمى هدف في لوجود ، وهو التمكين لشرع الله وإن لم يحقق الحب في الله هذه المعاني يكون خللاً ما قد وجد..
ولذا فعلى ليلى ألا تترك أختها بهذا السلوك الخاطئ ، فيجب أن تقوّمها بكل وسيلة متاحة ،
وعلى عُلا أن تفهم معاني الأخوة في الله بحقيقتها وجوهرها .