نوم الطفل بين «قلق الافتراق»والإحساس بالوحدة والخوف

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عدد كبير من الأطفال يعتادون الذهاب الى الفراش بهدوء واطمئنان وسرعان ما يروح الواحد منهم في النوم العميق، ولكن عندما يصل الطفل الى عمر الـ 18 شهراً أو 24 شهراً أو 28 شهراً فهو يختلق الأسباب ليجعل أمه تجلس معه في حجرته أطول فترة ممكنة ويختلق الكثير من الأسباب الزائفة. إنه يدعي العطش ويدعي الرغبة في الدخول الى دورة المياه. وهنا تجد الأم نفسها محاصرة برغبات الطفل، خصوصاً رغبة الذهاب الى دورة المياه لأنها تبذل الجهد الكبير لتدريب الطفل على ذلك وتريده أن يتصرف كإنسان قادر على تحمل مسؤولية نفسه. وهنا لا يمكنها أن ترفض ذهابه الى دورة المياه برغم تأكدها التام بأنه يدعي ذلك والهدف هو طبعاً هو أن يقضي معها أكبر وقت ممكن. وهناك طريقة أخرى يتصرف بها الطفل للتعبير عن رفضه تماماً لأن يكون وحيداً في الفراش، إنه يتقن جيداً مهارة التسلق الى السرير والزحف ليخرج منه. وعندما تظن الأم أنه قد نام تماماً فإنها تفاجأ بأنه أصبح معها حيث تجلس. ورغم أن الطفل يكون في مثل هذه السن غير قادر على فهم أمور الحياة، وإدراكها إلا أنه يفهم تماماً أنه إنسان جذاب ويستغل جاذبيته بمهارة في الأوقات التي يفهم منها أنه قد ارتكب خطأ، إنه يبتسم ابتسامة ساحرة للأم، إنه يجري إليها ليقبلها، إنه يغرقها في أسئلة مليئة بالحب والحنان.. إنه يتعلق بها ليحتضنها ويحاول أن يستقر هانئاً في أحضانها أطول فترة ممكنة. ولا تستطيع أي أم أن تقاوم جاذبية الطفل في مثل هذا العمر.

إن الحجج التي يختلقها الطفل لتبقى معه أمه في حجرته أو عندما يهرب من فراشه ليقضي الوقت مع أبيه وأمه، تشير الى قليل من الإحساس بقلق، لكن الطفل في مثل هذا العمر يمر بفترة من النمو يكون من السهل فيها أن يشعر بالوحدة والضعف عندما يفترق عن الأم أو يبتعد عنها. وليس هذا مع الأم فقط، لكنه أيضاً يشعر بمرارة الافتراق بدرجات متفاوتة عندما يذهب أحد الأقارب الذين يعيشون معه بعيداً عنه، بل إن المسألة تتعدى ذلك أيضاً، فالطفل يشعر بالوحدة عندما تنتقل عائلته من مكان الى آخر.

وهنا يأتي السؤال.. ماذا يمكن أن نفعل في مثل هذه الظروف؟ إنني لا أشك على الإطلاق في أن الأم يمكن أن تواظب لمدة أسابيع على العمل الدائب لغرس الإحساس بالأمان والاطمئنان المطلق في مشاعر الابن، خصوصاً إذا كان قلق الافتراق الذي يعاني منه هو نتيجة لتغيبها عن المنزل لمدة من الزمن، ومن الضروري ألا تغيب الأم مرة ثانية إلا بعد أن يتضح لها أن الطفل يمكنه أن يفهم ويستوعب غيابها استيعاباً تاماً. ومن المفضل أن تتصرف الأم عندما يأتي ميعاد نوم الطفل أن تجلس بجانب سريره وأن تمسك بيده عندما يريد ذلك. ولا يفضل بطبيعة الحال أن ينام الطفل في صدر الأم أو في حضنها، لأن الطفل سيصحو من النوم عندما تضعه أمه في السرير. وننبه الى ضرورة جلوس الأم في حجرة الطفل الى أن يستغرق في النوم فعلاً، لأن الأم عندما تحاول أن تتسلل الى أطراف أصابعها من حجرة الطفل وهو لم يستغرق في النوم بعد، فمن المؤكد أن وقع أقدامها سيجعله يستيقظ من النوم، وسيحاول بكل طاقته أن يبتعد تماماً عن النوم، لا لشيء إلا لأنه يخاف حقيقة من الافتراق عن الأم. إنني أعرف أن هذه المسألة – مسألة وجود الأم مع الطفل حتى يستغرق في النوم – وقد تجعل الأم في غاية الضيق من الإحساس بأن حريتها ضائعة تماماً في فترة المساء. لكني أحب أن أطمئن الأمهات الى أن ذلك لن يستغرق سوى ساعتين في الأيام الأولى لعودتها الى المنزل بعد غيابها عنه. ولأن ذلك قد يمثل عبئاً ثقيل الظل على الأم، لهذا فأنا أوجه النصيحة للأم بأن تجلس في مقعد مريح وأن تسلي نفسها بالقراءة وأشغال الحياكة خلال هاتين الساعتين. ومن المؤكد عندما تسير الأمور سيراً طبيعياً أن هذه المدة ستنخفض لتصبح ثلاثين دقيقة فقط. ولكن – رغم كل ذلك – فعلى الأم أن تتوقع أنها ستجلس هذه النصف سعة كل يوم لمدة ستين يوماً على الأقل.

الجميل في الأمر أن يتعود الطفل – أي طفل – على إقامة صداقة وألفة مع الغرباء، ويمكننا أن نفعل ذلك منذ اللحظة التي يتعلم فيها الطفل المشي، ولابد لنا من تعويد الطفل على أننا سنتركه في البيت من حين لآخر لمدة ساعات وإيكال أمر الاهتمام به الى مربية أطفال أو إحدى الغريبات اللاتي نثق بهن. ذلك يعوده على الاستقلال الكامل. ومما لا شك فيه أن الآباء أو الأمهات يستفيدون نفسياً من الابتعاد لفترة من الزمن عن مشاكل الأطفال، لكن في هذه الحالة لابد أن يتأكدوا تماماً من أن من يوكل إليها أمر رعاية الطفل سيدة جديرة بذلك ونستطيع الاعتماد عليها. وفي حالة الطفل الوليد الذي لم يتجاوز عمره عدة شهور، فلابد لنا أن نتأكد أن من تقوم برعايته تتمتع بطاقة من الحنان والإحساس والوعي، كما أننا يجب أن نعود الطفل على أن يقضي وقتاً مع هذه السيدة أثناء وجودنا بالمنزل. وعندما يرغب الأب والأم في الخروج الى سهرة أو حفلة فلابد أن تأتي السيدة التي سيوكل إليها أمر رعاية الطفل أثناء غياب الأم والأب في الخارج قبل أن ينام الطفل حتى يمكن أن يفهم المسألة مقدماً وحتى لا يتعرض للانزعاج الشديد لو استيقظ أثناء الليل ووجد بجانبه إنسانة لا يعرفها بينما المألوف لديه أن يجد أمه. ومن الطبيعي أن نعرف بأن تدريب الطفل على الحياة مع جماعة من الأصدقاء من خارج الأسرة مسألة لها أهمية خاصة إذا كان هذا الطفل هو الأكبر أو الوحيد في الأسرة لأن هذا يصقل شخصية الطفل ويدربه على الحياة مع الكبار.

وهنا يمكن أن تقول إحدى الأمهات: «لقد تكلمت كثيراً عن قلق الافتراق والإحساس به الذي يتراوح بين الشدة والضعف في المواقف المختلفة ومنها محاولة الطفل ابن الثانية أن «يحبس» أمه معه في حجرته معظم ساعات الليل، أو يتسلل من السرير ليخرج من الحجرة. لماذا إذن لا تشرح الأسلوب العلمي الذي يمكن للأم أن تتبعه في مثل هذه الحالات التي يكون فيها قلق الطفل غير عنيف»؟

وأنا أقول إنه يجب على الأم في مثل هذه الحالة ألا ترضخ للطفل وتجلس معه في حجرته، إنما يجب أن تلقي عليه تحية المساء دون أي تردد وبحزم وتتركه في الفراش. أقول بلا أي تردد، لأن التردد يعطي الفرصة للطفل أن يتمرد أو يستفيد من هذا التردد. إن قلق الأم المبالغ فيه يضخم من قلق الطفل نفسه. فالطفل في بعض الأحيان يتصرف كأنه يقول لأمه «أنا أيضاً أؤمن أنه من الخطر على حياتي أن تتركيني وحيداً». يحدث هذا بالنسبة للطفل الذي تبالغ أمه في التردد أو في إظهار القلق أو أن تقبل تصرف الطفل الذي يتلكأ فيه عن الذهاب الى حجرة النوم. إن مثل هذا التصرف يجعل الطفل مقتنعاً بأن الأم لا تطمئن الى تركه بمفرده وأن هناك «خوفاً» ما يجعلها تسمح له بالتمادي في مثل هذا التصرف. إن ذلك يرفع نسبة قلق الطفل ويجعله يندفع نحو المزيد من الضغط على الأم ليحاول أن يستبقها معه في غرفته وليحاول أن يقضي أكبر وقت ممكن معها وكل ذلك نتيجة تردد الأم الذي كلما ازداد، ازداد اندفاع الطفل نحو التعلق بها.

يعطيج العافية عالموضوع الحلو

يسلموووووو