تعليم الأبناء الإنفاق في رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليم الأبناء الإنفاق في رمضان

مصطفى عبدالباقي

مقالات متعلقة

إن تعليم الطفل الإنفاق منذ الصغر أمر يجعل الطفل كريم النفس، جواد اليد، يبذل الخير، وليس هناك فرصة أعظم من شهر رمضان المبارك، شهر الكرم والجود، الذي كان فيه (النبي – صلى الله عليه وسلم – أجود من الريح المرسلة).

فاستغلال الجو الإيماني في هذا شهر رمضان فرصة في غرس حب الإنفاق عند الأبناء.

لأن هناك عبادات يجب أن يتعلمها الأبناء منذ صغرهم ليعتادوا عليها، فالمال له أثر في النفس والقلب، وإذا لم تجعل طفلك يعتاد حب البذل والإنفاق والخير على حب المال فلن تربى هذه العبادة في قلبه.

فكما أعتدنا لابد أن يكون توجهينا للطفل توجيه تربوي صحيح عن طريق كتاب الله وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم -.

يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، ويقول: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم ﴾ [المعارج: 24- 25]، ويقول الله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ﴾ [الإنسان: 9].

ونجد الوعود النبوية عديدة للمنفق: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس)) [صححه الألباني]، والصدقة تطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى: ((صدقة السر؛ تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم؛ تزيد في العمر، وفعل المعروف؛ يقي مصارع السوء)) [صححه الألباني].

وغيرها من الأحاديث التي يمكن أن نوجه بها الأبناء ونحسهم ونرغبهم في ما عند الله سبحانه وتعالى من الخير.

كيف تعلم ابنك الإنفاق؟!

• ذكر الصدقة وما فيها عطف على الفقراء والمساكين، ولما فيها من الأجر العظيم عند الله تعالى يوم القيامة.

• الحديث عن أحوال المسلمين الفقراء والذي يعانون منه، وعقد مقارنة بين حاله وحال هؤلاء المساكين ليعلم ما هو فيه من فضل ونعم كثيرة.

• حثه على الدعاء للفقراء كل يوم عند الإفطار وأثناء الصلاة في السجود.

• اجعل له حصالة في – رمضان على وجه الخصوص – واجعله يضع فيها مبلغ من المال من مصروفه يوميًا؛ حتى إذا انقضى الأسبوع أخذه وأعطاه لأحد الفقراء أو المحتاجين.

• تجهيز وجبات في رمضان ومطالبة أبناءك بإيصالها لأحد الفقراء، ليرى بنفسه فرحة الفقير.

• اجعلهم يشاركون بالتبرع بـ(شنطة رمضان) للفقراء والأيتام.

• اطلب من أبناءك أن يتبرعوا في العيد ببعض ما لديهم من ملابس العيد الذي مضى.

• حينما يشتري شيء خاص به وعلى سبيل المثال علبة من الحلوى اجعله يضعها في طبق ثم يدعو إخوته ليأكلوا منها جميعًا.

الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير

باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
ثقة بالله تعالى
قال اللَّه تعالى: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } .
وقال تعالى: { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللَّه، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } .
وقال تعالى: { وما تنفقوا من خير فإن اللَّه به عليم } .
544- وعَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً ، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاه اللَّه حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها » متفقٌ عليه .
معناه : يَنَبِغِي أَن لا يُغبَطَ أَحَدٌ إِلاَّ على إحدَى هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ .
545- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ ؟ » قالُوا : يا رَسولَ اللَّه . ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه . قال : « فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّرَ » رواه البخاري .
546- وعَن عَدِيِّ بنِ حاتم رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمَرةٍ » متفقٌ عليه .
547- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِل رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيئاً قَطُّ فقالَ : لا . متفقٌ عليه .
548- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ ، فَيَقُولُ أَحَدَهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسكاً تَلَفاً » متفقٌ عليه .
549- وعنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قـال : « قال اللَّه تعالى : أنفِق يا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ » متفقٌ عليه .
550- وعن ْ عبد اللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ رضي اللَّه عنهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ ؟ قال : « تُطْعِمْ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ » متفقٌ عليه .
551- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْبَعونَ خَصلَةً أَعلاهَا مَنِيحَةُ العَنْز ما مِن عَاملٍ يعْملُ بخَصلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّه تعالى بِهَا الجَنَّةَ » رواه البخاري . وقد سبقَ بيان هذا الحديث في باب بَيَان كَثرَةِ طُرق الخَيْرِ .
552- عن أبي أُمَامَةَ صُدَيِّ بنِ عَجْلانَ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِن تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكََ ، وإِن تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ ، واليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى » رواه مسلم .
553- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِلَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى الإِسْلامِ شَيئاً إِلا أَعْطاه ، وَلَقَدَ جَاءَه رَجُلٌ فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .
554- وعن عُمَرَ رضيَ اللَّه عنه قال : قَسَمَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَسْماً ، فَقُلتُ : يا رسولَ اللَّه لَغَيْرُ هَؤُلاَءِ كَانُوا أَحَقَّ بهِ مِنْهُم ؟ قال : « إِنَّهُمْ خَيَّرُوني أَن يَسأَلُوني بالْفُحشِ فَأُعْطيَهم أَوْ يُبَخِّلُوني ، وَلَستُ بِبَاخِلٍ » رواه مسلم .
555- وعن جُبَيْرِ بنِ مُطعِم رضيَ اللَّه عنه أَنه قال : بَيْنَمَا هُوَ يسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَقْفَلَهُ مِن حُنَيْنٍ ، فَعَلِقَهُ الأَعْرَابُ يسَأَلُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : أَعْطُوني رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لي عَـدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثم لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذَّاباً وَلا جَبَاناً » رواه البخاري .
« مَقْفَلَهُ » أَيْ حَال رُجُوعِهِ . وَ « السَّمُرَةُ » : شَجَرَةٌ . وَ « العِضَاهُ » : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
556- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ » رواه مسلم .
557- وعن أبي كَبشَةَ عُمرو بِنَ سَعدٍ الأَنمَاريِّ رضي اللَّه عنه أَنه سمَع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزّاً ، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ باب مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ باب فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا . وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ . قال إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَر:
عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالاً وَعِلْماً ، فَهُو يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل المَنازل .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْماً ، وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً ، وَلَمْ يرْزُقْهُ عِلْماً ، فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ رَحِمَهُ ، وَلا يَعلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا ، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ .
وَعَبْدٍ لَمْ يرْزُقْهُ اللَّه مَالاً وَلا عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
558- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّهُمْ ذَبحُوا شَاةً ، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا بَقِيَ مِنها؟» قالت : ما بقي مِنها إِلاَّ كَتِفُهَا ، قال : « بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا» رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بها إلاَّ كَتِفَهَا فقال : بَقِيَتْ لَنا في الآخِرةِ إِلاَّ كَتفَهَا .
559- وعن أَسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنهما قالت : قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُوكِي فَيوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » .
وفي روايةٍ « أَنفِقِي أَو أَنْفَحِي أَو أَنْضِحِي ، وَلا تُحْصي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » متفقٌ عليه .
وَ « انْفَحِي » بالحاءِ المهملة : هو بمعنى « أَنفِقِي » وكذلك : « أَنْضِحِي » .
560- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنه سَمِع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِن حَديد مِنْ ثْدِيِّهِما إِلى تَرَاقِيهمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ ، فَلا يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ ، أَوْ وَفَرَتْ على جِلدِهِ حتى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ ، فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُو يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ » متفقٌ عليه .
وَ « الجُبَّةُ » الدِّرعُ ، وَمَعنَاهُ : أَن المُنْفِقَ كُلَّمَا أَنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حتى تجُرَّ وَرَاءَهُ ، وَتُخْفِيَ رِجلَيهِ وأَثَرَ مَشيهِ وخُطُواتِهِ .
561- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّه يقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصَاحِبَها ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبلِ » . متفقٌ عليه .
« الفَلُوُّ » بفتحِ الفاءِ وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أَيضاً : بكسر الفاءِ وإِسكان اللام وتخفيف الواو : وهو المُهْرُ .
562- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : بيْنَما رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرض ، فَسَمِعَ صَوتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ ، فإِذا شرجة من تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الماءَ ، فإِذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بمِسحَاتِهِ ، فقال له : يا عَبْدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ قال : فُلانٌ، للاسْمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ ، فقال له : يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَال : إني سَمِعْتُ صَوتاً في السَّحَابِ الذي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لإسمِكَ ، فما تَصْنَعُ فِيها ؟ فقال : أَما إِذْ قُلْتَ هَذَا ، فَإني أَنْظُرُ إِلى ما يَخْرُجُ مِنها ، فَأَتَّصَدَّقُ بثُلُثِه ، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثاً ، وأَردُّ فِيها ثُلثَهُ . رواه مسلم .
« الحَرَّةُ » الأَرضُ المُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَودَاءَ : « والشَّرجَةُ » بفتح الشين المعجمة وإِسكان الراءِ وبالجيم : هِيَ مسِيلُ الماءِ .

61- باب النهي عن البخل والشُّحِّ
قال اللَّه تعالى:{ وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى } .
وقال تعالى: { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .
وأما الأحاديث فتقدمت جملة منها في الباب السابق.
563- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلمَاتٌ يوْمَ القِيامَة ، واتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُم على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم » رواه مسلم .

الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير

باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
ثقة بالله تعالى
قال اللَّه تعالى: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } .
وقال تعالى: { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللَّه، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } .
وقال تعالى: { وما تنفقوا من خير فإن اللَّه به عليم } .
544- وعَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً ، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاه اللَّه حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها » متفقٌ عليه .
معناه : يَنَبِغِي أَن لا يُغبَطَ أَحَدٌ إِلاَّ على إحدَى هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ .
545- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ ؟ » قالُوا : يا رَسولَ اللَّه . ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه . قال : « فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّرَ » رواه البخاري .
546- وعَن عَدِيِّ بنِ حاتم رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمَرةٍ » متفقٌ عليه .
547- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِل رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيئاً قَطُّ فقالَ : لا . متفقٌ عليه .
548- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ ، فَيَقُولُ أَحَدَهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسكاً تَلَفاً » متفقٌ عليه .
549- وعنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قـال : « قال اللَّه تعالى : أنفِق يا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ » متفقٌ عليه .
550- وعن ْ عبد اللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ رضي اللَّه عنهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ ؟ قال : « تُطْعِمْ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ » متفقٌ عليه .
551- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْبَعونَ خَصلَةً أَعلاهَا مَنِيحَةُ العَنْز ما مِن عَاملٍ يعْملُ بخَصلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّه تعالى بِهَا الجَنَّةَ » رواه البخاري . وقد سبقَ بيان هذا الحديث في باب بَيَان كَثرَةِ طُرق الخَيْرِ .
552- عن أبي أُمَامَةَ صُدَيِّ بنِ عَجْلانَ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِن تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكََ ، وإِن تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ ، واليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى » رواه مسلم .
553- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِلَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى الإِسْلامِ شَيئاً إِلا أَعْطاه ، وَلَقَدَ جَاءَه رَجُلٌ فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .
554- وعن عُمَرَ رضيَ اللَّه عنه قال : قَسَمَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَسْماً ، فَقُلتُ : يا رسولَ اللَّه لَغَيْرُ هَؤُلاَءِ كَانُوا أَحَقَّ بهِ مِنْهُم ؟ قال : « إِنَّهُمْ خَيَّرُوني أَن يَسأَلُوني بالْفُحشِ فَأُعْطيَهم أَوْ يُبَخِّلُوني ، وَلَستُ بِبَاخِلٍ » رواه مسلم .
555- وعن جُبَيْرِ بنِ مُطعِم رضيَ اللَّه عنه أَنه قال : بَيْنَمَا هُوَ يسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَقْفَلَهُ مِن حُنَيْنٍ ، فَعَلِقَهُ الأَعْرَابُ يسَأَلُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : أَعْطُوني رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لي عَـدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثم لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذَّاباً وَلا جَبَاناً » رواه البخاري .
« مَقْفَلَهُ » أَيْ حَال رُجُوعِهِ . وَ « السَّمُرَةُ » : شَجَرَةٌ . وَ « العِضَاهُ » : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
556- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ » رواه مسلم .
557- وعن أبي كَبشَةَ عُمرو بِنَ سَعدٍ الأَنمَاريِّ رضي اللَّه عنه أَنه سمَع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزّاً ، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ باب مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ باب فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا . وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ . قال إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَر:
عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالاً وَعِلْماً ، فَهُو يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل المَنازل .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْماً ، وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً ، وَلَمْ يرْزُقْهُ عِلْماً ، فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ رَحِمَهُ ، وَلا يَعلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا ، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ .
وَعَبْدٍ لَمْ يرْزُقْهُ اللَّه مَالاً وَلا عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
558- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّهُمْ ذَبحُوا شَاةً ، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا بَقِيَ مِنها؟» قالت : ما بقي مِنها إِلاَّ كَتِفُهَا ، قال : « بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا» رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بها إلاَّ كَتِفَهَا فقال : بَقِيَتْ لَنا في الآخِرةِ إِلاَّ كَتفَهَا .
559- وعن أَسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنهما قالت : قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُوكِي فَيوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » .
وفي روايةٍ « أَنفِقِي أَو أَنْفَحِي أَو أَنْضِحِي ، وَلا تُحْصي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » متفقٌ عليه .
وَ « انْفَحِي » بالحاءِ المهملة : هو بمعنى « أَنفِقِي » وكذلك : « أَنْضِحِي » .
560- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنه سَمِع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِن حَديد مِنْ ثْدِيِّهِما إِلى تَرَاقِيهمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ ، فَلا يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ ، أَوْ وَفَرَتْ على جِلدِهِ حتى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ ، فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُو يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ » متفقٌ عليه .
وَ « الجُبَّةُ » الدِّرعُ ، وَمَعنَاهُ : أَن المُنْفِقَ كُلَّمَا أَنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حتى تجُرَّ وَرَاءَهُ ، وَتُخْفِيَ رِجلَيهِ وأَثَرَ مَشيهِ وخُطُواتِهِ .
561- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّه يقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصَاحِبَها ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبلِ » . متفقٌ عليه .
« الفَلُوُّ » بفتحِ الفاءِ وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أَيضاً : بكسر الفاءِ وإِسكان اللام وتخفيف الواو : وهو المُهْرُ .
562- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : بيْنَما رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرض ، فَسَمِعَ صَوتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ ، فإِذا شرجة من تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الماءَ ، فإِذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بمِسحَاتِهِ ، فقال له : يا عَبْدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ قال : فُلانٌ، للاسْمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ ، فقال له : يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَال : إني سَمِعْتُ صَوتاً في السَّحَابِ الذي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لإسمِكَ ، فما تَصْنَعُ فِيها ؟ فقال : أَما إِذْ قُلْتَ هَذَا ، فَإني أَنْظُرُ إِلى ما يَخْرُجُ مِنها ، فَأَتَّصَدَّقُ بثُلُثِه ، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثاً ، وأَردُّ فِيها ثُلثَهُ . رواه مسلم .
« الحَرَّةُ » الأَرضُ المُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَودَاءَ : « والشَّرجَةُ » بفتح الشين المعجمة وإِسكان الراءِ وبالجيم : هِيَ مسِيلُ الماءِ .

61- باب النهي عن البخل والشُّحِّ
قال اللَّه تعالى:{ وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى } .
وقال تعالى: { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .
وأما الأحاديث فتقدمت جملة منها في الباب السابق.
563- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلمَاتٌ يوْمَ القِيامَة ، واتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُم على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم » رواه مسلم .

سبحــــــــــــــــــــــآآآن الله وبحمده سبحان الله العظيم

الإنفاق في سبيل الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الإنفاق في سبيل الله

علي بن عبدالعزيز الراجحي

نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ). (أية 34 سورة إبراهيم) . ومن أعظم النعم : نعمة المال والرزق ، هذه النعمة التي تقوم عليها وتؤدي من خلالها كثير من النعم ، ولا يستغني عنها مخلوق حي حتى الطيور تبحث عن أرزاقها في غدوها ورواحها .
وهذا المال مال الله تعالى يودعه عباده ، ليبتليهم أيشكرونه أم يكفرونه ، قال تعالى : ( وأمددناكم بأموال وبنين ) (سورة الإسراء آية 6 ) ، وقال سبحانه ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) (سورة العنكبوت آية 60) .
وقال جل وعلا ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( سورة إبراهيم آية 7)

أنواع الإنفاق المشروع وصوره :
من حقوق المال إنفاقه في الأوجه المشروعة وهي نوعان :
أ‌- واجب : كالإنفاق على النفس والولد والزوجة ، وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك .
ب‌- مستحب : كصدقة التطوع ، والإنفاق في أوجه البر المتنوعة كالنفقة على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين ، كالهبات والهدايا ، والتبرع لمؤسسات البر والإغاثة ونحو ذلك .

من ثمرات الإنفاق المشروع :
1- دخول الجنة ، يقول تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ).( سورة آل عمران آية 133 ، 134 ) .
2- الوقاية من النار ، وتكفير السيئات ، روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) (أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة 3/283 برقم 1417 ، ومسلم 2/703 برقم 1016 ، كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ) ويقول صلى الله عليه وسلم : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ). (أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة 5/13 ، برقم الحديث 2616 ، وأخرجه النسائي في الكبرى 6/428 ، برقم 11394 ، كتاب التفسير).
3- تكثير الحسنات ، ومضاعفة الأجور أضعافاً مضاعفة ، يقول تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) (سورة البقرة آية 361 ) . ويقول سبحانه (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) . (سورة المزمل آية 20 )
4- في الإنفاق طهرة للمنفق ، وتزكية لقلبه ، وتنمية للمال وسلامة له من الآفات، يقول سبحانه وتعالى ( خذ من أموالهم صدقة تظهرهم وتزكيهم بها ) (سورة التوبة آية 103 )

آداب الإنفاق :
لكي يؤدي الإنفاق تلك الثمار العظيمة والفوائد الجليلة لابد وأن يكون المنفق مستحضراً آداباً مهمة فيه ، وهي :
1 – الإخلاص :
الإخلاص يعني تجريد العبودية لله تعالى لا يشوبها شائبة رياء أو سمعة أو غيرهما، فإذا أنفق على نفسه وأسرته ينفق شاكراً لله تعالى على ما أعطاه من هذه المال ، حامداً له على هذه النعمة ، وإذا أنفق على الفقراء والمساكين ، أو مشاريع الخير وأعمال البر يريد الأجر والثواب من هذه الإنفاق ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) (أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي 1/9 برقم 1 ، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنية ) 3/1515 برقم 1907 )
فمن انفق يبتغي الأجر فله ذلك ، ومن أنفق رياء أو سمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا ، وليس له حظ في الآخرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أول الناس يقضي عليه يوم القيامة ثلاثة .. " ومنهم : " رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد ، فقد قيل ، فسحب على وجهه ، ثم ألقي في النار) ( رواه مسلم ، كتب الإمارة ، باب : من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 3/1514 ، رقم 1905 ).

2 – عدم المن والأذى :
المن هو : التحدث بما أعطي حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه .
والأذى هو : السب والتطاول والتشكي .
وعدم المن والأذى هو الأدب الثاني الذي يتفق مع ما فطر الله تعالى النفس الإنسانية عليه من الكرامة والعزة ، فتلك النفس تأبى أن يكون هذا العطاء مقروناً بمن أو أذى، إذا أن هذا المن يخدش كرامة النفوس الكريمة ويجرح مشاعرها ، ويستذلها بمنته ، ويشعرها بالصغار والهوان .
من هنا جعل الله سبحانه الصدقات المقرونة بالمن والأذى باطلة غير مقبولة، يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ما له رياء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ). (سورة البقرة آية 264 )
ولخسة نفس المنان بعطيته ، ولؤم طبعه ورغبته في الاستعلاء الكاذب ، وتطلعه إلى إذلال الناس ، جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وهم كما في الحديث : (المسبل ، والمنان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) (رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية 1/102 ، برقم 106 ).

3 – الإنفاق من المال الطيب :
لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من الطيب المحبوب للنفس ، فأحب لأخيك ما تحب لنفسك ، يقول تعالى آمراً بالإنفاق من الطيبات ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقوا ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد ) . ( سورة البقرة آية 267).
والبر والأجر إنما ينال بالإنفاق من المال الطيب المحبوب ، يقول الله تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) (سورة آل عمران آية 92 ) .

4 – الاعتدال في الإنفاق :
لأن المال أمانة عند صاحبه ، فهو مال الله تعالى ، رزقه هذا الإنسان ، ليتعامل به وفق منهج الله تعالى ، فلا يتعالى فيه فيبذر ويسرف ويتجاوز القصد والاعتدال ، ولا يقتر فيشح ويبخل ويمسك ، قال تعالى مادحاً المؤمنين الذين يسلكون هذا المنهج : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) (سورة الفرقان آية 67 )

نقل بتصرف وتعديل

منقول: صيد الفوائد.

غاليتي بارك الله فيك ولا حرمك من الاجر والثواب

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حرم ناصر .. خليجية
غاليتي بارك الله فيك ولا حرمك من الاجر والثواب

بارك الله فيكِ ،