اخواني واخواتي الاعزاء اليوم نقلت لكم موضوع يمكن يكون اطول موضوع رح تقراءه في حياتك لكن والله ممكن يغير حياتك الى الافضل ان شاءالله
نقلت لكم محاضرة من اروع المحاضرات
للشيخ : ( عائض القرني ) حفظه الله ورعاه
بعنوان ( الدعاء هو العبادة )
اتمنى من الله انها تعجبكم لانها فعلا رائعه وشامله كل شي عن الدعاء واتمنى من كل من يريد ان يقرا الموضوع انه يقراءه على فترات ونصحيه
فرغ نفسك بتفريغ ذهنك للقراءة ، واتجه إلى الله سبحانه وتعالى واطلب منه صفاء الذهن وفهم الموضوع ، ثم ابدأ بسم الله وتوكل عليه وستجد أنك تنساب للموضوع بسهوله مذهلة.
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
رأيت أن نتحدث عن موضوع خطير وكبير ومهم، وهو موضوع الدعاء وعنوان هذا الدرس: الدعاء هو العبادة.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[الأعراف:55] ويقول تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {الدعاء هو العبادة } رواه الحاكم بسند صحيح.
فإذا علم هذا -أيها الأخيار- فموضوعنا هذه الليلة: الدعاء هو العبادة يندرج فيه عناصر:-
أولها: الحث على الدعاء.
الثاني: دعاء الأنبياء في القرآن عليهم الصلاة والسلام.
ثالثاً: أعظم الأدعية في السنة.
رابعاً: أدعية نبوية عامة صحت عنه صلى الله عليه وسلم.
خامساً: سيد الاستغفار وشرحه.
السادس: الاستعاذة من الهم والغم وما في حكمهما، أي: الأمور التي استعاذ منها صلى الله عليه وسلم.
المسألة السابعة: نماذج في استجابة الله لأوليائه، يوم تنقطع بهم الحبال ويبقى حبل الله، ويوم تنقطع بهم الأسباب ويبقى سبب الله، ويوم توصد أمامهم الأبواب، فيبقى باب الله، نورد قصصاً ونماذجاً من دعاء الأخيار والأبرار والصالحين الذين التجئوا إلى الله في وقت الحرج، فأجابهم الله فكشف كربهم، وأزال همهم وغمهم، وكان معهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، على حد قوله تبارك وتعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ[النمل:62].
المسألة الثامنة: طلب الدعاء من الصالحين، هل لك أن تقول لرجل صالح: لا تنسانا من دعائك يا أخي أم ماذا؟! وتفصيل القول في ذلك، بإذن الله.
التاسع: التعدي في الدعاء وكيف يكون التعدي؟
المسألة العاشرة: الملل والسأم والضجر والانقطاع عن الدعاء واستبطاء الإجابة؛ فإن كثيراً من الناس يدعون فيستبطئون الإجابة، فيتركون الدعاء ويوقِّتون الأمر لله، ويحددون إجابة دعواتهم بالزمن بشهر أو سنة، فإذا ما أتى مطلوبهم كرهوا الدعاء، وسئموا منه، وانصرفوا عن باب الواحد الأحد، فوقعوا في شر مما فروا منه.
الحادية عشرة: الاستثناء في الدعاء: إن شاء الله، وما في حكمها.
الثانية عشرة: الأوقات الفاضلة للاستجابة، ما هي الأوقات التي إذا دعوت الله فيها أجاب الله دعوتك؟ وما هي الأوقات التي تفضل غيرها، بالاستجابة وبالتحري؟
أما آخر المسائل وهي الثالثة عشرة: فالدعاء والقضاء، وهي مسألة تطرح عند كثير من الناس، كيف أدعو الله أن ينجحني وقد كتب علي أني راسب؟ كيف أدعو الله أن يشفي ابني وقد كتب عنده أن ابني يبقى مريضاً؟ يجاب عن هذه الأسئلة وعن غيرها -إن شاء الله- في غضون هذا البحث.
– الحث على الدعاء، كما سمعتم قوله عليه الصلاة والسلام: {الدعاء هو العبادة }.
وبعض الناس يجعل الدعاء باباً ثانوياً، حتى تجد بعضهم يقول: لا بأس أن تدعو، وكأن الدعاء أمر سهل إن أتى وإن ذهب، وما علموا أن الدعاء سهام الليل…….
——————————————————————————–
سهام الليل
دخل أحد الصالحين على ظالم من الظلمة، فقال السلطان الظالم: والله لأقتلنك قتلة ما قُتلها أحد من الناس، فقال الرجل الصالح: عندك الجنود -يقول للسلطان- والبنود والسيوف والرماح وأما أنا فعندي سهام الليل، قال: ما هي سهام الليل؟
قال: أوتار أمدها بخشوع وأرسلها بدموع مع السحر فيرفعها الحي القيوم، يقول لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، فقال السلطان -وهو يرتعد-: مادام أنك التجأت إلى الحي القيوم فلا أمسك.
من الذي التجأ إليه فلم ينصره؟!
دخل البرامكة وزراء بني العباس السجن، بطروا وأكلوا وشربوا وضحكوا، وعمروا ورفعوا القصور حتى بلغ من إعجابهم بأنفسهم أن أخذوا ماء الذهب وطلوا به القصور بطراً.
وأخذوا عبيد الله عبيداً وخولاً، وسفكوا الدم، وكان هناك شيخ كبير مسن ظلموه، فرفع يديه في السحر وقال: يا قاصم الجبابرة! خذ البرامكة، فأخذهم العزيز المقتدر، الذي يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ فإن أخذه أليم شديد: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[هود:102].
أليم يصل إلى القلوب، وشديد لا يطاق على الأرواح، فغضب عليهم الخليفة أقرب الأقرباء إليهم، لأنه يقال: من اعتمد على غير الله جعل خوفه من هذا المأمن، فيقطعهم من المكان الذي استأمنوا منه.
ومن تعلق بحبل غير حبل الله انقطع به الحبل، ومن ركن إلى صديق وإلى صاحب ورضي به من غير الله، لا تأتيه الحية أو العقرب إلا من هذا الصاحب.
فأخذهم الله، فغضب عليهم هارون الرشيد ، فقتل شبابهم في صباح النهار، وأتى إلى شيوخهم فأوقعهم في السجن، ثم أخذ قصورهم.
دخلوا على شيخ من البرامكة، وهو شيخ كبير سقط حاجباه على عينيه، قالوا له: كيف حالك؟
قال: لست بميت من أهل الآخرة، ولست بحي من أهل الدنيا، ما رأيت الشمس ثمان سنوات، قالوا: ما هو السبب؟
قال: دعوة من مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها.
ولذلك الدعاء ليس أمراً ثانوياً عند المسلم، بل هو أمر أكيد، وإنما يفعل ذلك الحمقى، يقول ابن الجوزي في كتاب الحمقى قالوا لأحمق: ندعو لك، -وقد أراد سفراً- قال: لا أحتاج إلى دعاء فالمكان قريب.
سبحان الله قريب أو بعيد! فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الحافظ وهو الراعي وهو الرائد، وهم الذين عطلوا مشيئة الله، وأنتم تسمعون إلى الأحمق الآخر الذي قال له الناس: إلى أين تذهب؟ قال: إلى السوق، قالوا: ماذا تفعل؟ قال: أشتري حماراً، قالوا: قل: إن شاء الله، قال: لماذا أقول: إن شاء الله؟ الدراهم في الجيب والحمار في السوق، فضاعت دراهمه وعاد في المساء، فقالوا: أين الحمار؟ قال: ضاعت الدراهم إن شاء الله، قالوا: نفاها في موضعها واستخدمها في غير موضعها.
قصة الحسن مع الحجاج
وذلك من الذين لا يتعلقون بحبل الله، ولا يلجئون إلى حبل الله.
أتى الحجاج بن يوسف فمر بـالحسن البصري -الحسن البصري أمة من الأمم، وعالم من العلماء، وموجه من الموجهين، عرف الله- فمر به الحجاج والحسن يظن أن الحجاج ليس موجوداً -والي العراق – فمر الحسن بجمع من القراء وطلبة العلم، عند قصر الحجاج ، قال: أين تذهبون؟
قالوا: نذهب إلى الحجاج لنأخذ أعطياتنا، فغضب الحسن وقام فألقى خطبة، وقال: هذا الحجاج بن يوسف ، يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويلبس لباس الفاسقين، ويعظ وعظ المعتبرين، ثم دعا على الحجاج .
فدخل الحجاج القصر وقال: علي بـالحسن البصري ، قال له وزراؤه ماذا تريد منه؟ قال: أريد قتله.
فذهبوا إلى الحسن في بيته، وقال الجنود للحسن : اذهب إلى الحجاج ، قال: فأمهلوني قليلاً، فدخل واغتسل ولبس أكفانه من تحت الثياب وقال: يا حي يا قيوم،! يا ذا العزة التي لا تضام والركن الذي لا يرام! أسألك أن تقصم الحجاج وأن تسخره لي هذا اليوم.
ثم خرج، وفي أثناء الطريق وإذا بـالحجاج قد تغير وهو على الكرسي قبل أن يدخل عليه الحسن البصري غيره الذي يغير الليل والنهار، والذي قلوب العباد بين يديه: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً[الفرقان:3].
فلما دخل أخذ يرتعد الحجاج ، ثم قام إلى الحسن وأخذ قارورة من الطيب فطيب لحية الحسن ، وأجلسه بجانبه، وقال: لعلنا أزعجناك يا أبا سعيد ! قال: نعم أزعجتني، قال: عد سالماً مكرماً، فلما خرج قال له مقربوه: ماذا حدث بك؟ قال: والله ما أن خرج من بيته إلا وأوقع الله هيبته في قلبي، حتى ما هبت أحداً من الناس كهيبته، وإنني خفت منه يوم دخل قصري أن يبطش بي.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ[الفرقان:58] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
[آل عمران:173-174].
شروط استجابة الدعاء
يقول الصحابة: {يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ -يقولون: أين الله؟ هل هو قريب فنخفض الصوت ونتكلم معه، أم بعيد فنرفع أصواتنا- فأتى الجواب من الواحد الأحد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] قال أهل العلم: اشترط الله عليهم شرطين.
الأول: الاستجابة المطلقة لله ولرسوله، فمن لم يستجب لله ولرسوله، فلا يستجيب الله له أبداً، لأنه عطل طريق الإجابة، فكما تكونوا يول عليكم.
الأمر الثاني: أن يكون مؤمناً عاملاً الصالحات، ومهما طال المدى فإن العبد بين نعمة الدعاء، حتى يقول أحد الصالحين: والله! إني أريد أن يتأخر قضاء حاجتي أو أن تتأخر حاجتي لأجل ما أجد من لذة الدعاء. فهو يريد أن يُفتح له باب في الدعاء، فيريد أن تتأخر حاجته؛ ليبقى داعياً مقبلاً على الله.
موسى عليه السلام، يقف ويرفع يديه وعنده هارون بجانبه، فيقول داعياً ربه: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ[يونس:88] فقال هارون: آمين آمين آمين، فأنزل الله: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا[يونس:89] فجعل المؤمِّن والداعي داعين، قال أهل العلم: بعد أربعين سنة أجاب الله دعوته، وما قنط وما هاب وما مل وما سئم.
يعقوب بكى أربعين سنة على يوسف، يقول بعض أهل التفاسير وأهل السير ولله الحكمة البالغة، يقولون: لما جاء إخوة يوسف في الصباح قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ[يوسف:11-13] فأوحى الله إليه: خفت الذئب وما رجوتني، فمن الذي بيده الذئب وتصرف الذئب إلا الله، فخاف أن يأكله الذئب فأتى الخوف من غير مأمنه.
يقول: ما كان في أذهان أولاد يعقوب أن يقولوا أكله الذئب، لكن فتح لهم الطريق، قالوا: يقول أبونا: أخاف أن يأكله الذئب، إذاً في المساء إذا أتينا نقول: أكله الذئب، فذهبوا به فألقوه في غيابة الجب، قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم : أسقطوا يوسف عليه السلام في حبل فوقع في الماء على صخرة في الجب، فأخذ يسبح الله، يقول: تهدأ الحيتان والضفادع ولا يهدأ هو من التسبيح، حتى أوحى الله إليه: يا يوسف! لا تخف: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ[يوسف:15].
يقول: سوف ننجيك، وأنا معك.
وعند الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام لما عبر أرض مدين وكشف الصخرة وردها وسقى تولى إلى الظل، ثم بكى فرفع يديه فقال: يا رب! فقير مريض جائع غريب، فأوحى إليه: يا موسى! الجائع: من لم أكن أنا مطعمه، والغريب: من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير: من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، ذكرها الإمام أحمد .
فأتى هؤلاء الأبناء -على سبيل الاستطراد- فقالوا: أكله الذئب، قال ابن عباس : خلعوا قميصه خلعاً ولم يشقوه والذئب لا يعرف خلع القميص، بل المعروف أنه إذا أكل أكل، فأتوا بالثوب سالماً معافى ولطخوه بدم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ[يوسف:18].
والقميص في سورة يوسف ثلاثة: قميص كذب، وقميص براء، وقميص شفاء.
أما قميص الكذب فهذا القميص، وأما قميص البراءة فهو: لما قد قميصه من دبر، وأما قميص الشفاء: فهو القميص الذي في قوله تعالى: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ[يوسف:93] فإذا علم هذا، فطالبنا الله بالدعاء وقال عليه الصلاة والسلام: {الدعاء هو العبادة }.
وإذا أردت أن تعرف قوة إيمان العبد فانظر إلى دعائه، فإذا رأيت العبد يبتهل في أدبار الصلوات وبعد الفجر، وإذا قام من النوم وقبل الصلوات ويوم الجمعة، فاعرف أنه مؤمن، وإذا رأيت العبد كالاً فاتراً، ما يدعو إلا بسهو أو لهو فاعرف أن إيمانه على قدر دعائه.
يتبع
الأسرار باالدعاء—-
قال عز وجل: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[الأعراف:55] وقال في الذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً[الأعراف:205] قال هناك: (وَخُفْيَةً) وقال هنا: (وَخِيفَةً) فما الفرق بينهما؟
فالذكر يدعى من الخوف فعلى الذاكر أن يكون خائفاً، وعلى الداعي أن يكون مخفياً فيخفي الداعي دعاءه لأمور:-
أولاً: لا يتشوش قلبه.
الأمر الثاني: لأنه أخلص للعبادة وأبعد عن الرياء والسمعة.
الأمر الثالث: أنه أبعد عن عين الحاسد، فإن الحاسد ينقم على النعمة، وأفضل النعم أن تدعو الله إلى أمور أخرى.
يقول أبو موسى الأشعري : {كنا في ثنية مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ الصحابة يرفعون أصواتهم بالذكر والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح، فقال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس! أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، ثم قال -لـأبي موسى – يا عبد الله بن قيس ! قلت: نعم. يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنز من كنور الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله } وكان أبو موسى يقولها في نفسه، فدله عليه الصلاة والسلام على ذلك.
يقول عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ[البقرة:186] وهو قرب العلم، وإلا فالله مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه استواء يليق بجلاله، ولذلك ذكر الله معية العلم، فقال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[المجادلة:7] فهذا بالعلم ما يكون اثنان إلا والله ثالثهم تبارك وتعالى بعلمه، وإلا فهو مستوٍ على عرشه، قريب يسمع دعاء الداعي ويرى مخ النملة في عظمها الناحل، ويرى دبيب النمل ويسمعها وهي في حندس الظلام على الصفا السوداء في بقاع الأرض أو في قعر المعمورة، يقول تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[الأنعام:59] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مادحاً لهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[الأنبياء:90] فوصفهم بكثرة الدعاء، وما أتى مطلوب إلا بدعاء، وسوف نمر بنماذج من دعاء الأنبياء والرسل، ولا يستهين العبد بالغرض البسيط، فبعضهم لا يدعو في الأمر السهل، لأنه يقول: ما يحتاج هذا إلى دعاء، وهذا خطأ، بل قد صح في الحديث: {ليدع أحدكم ربه، حتى في شسع نعله، فإنه إن لم ييسره لا يتيسر أبداً }.
الذنوب والمعاصي وأثرهاعلى الدعاء
والعجيب أن المعاصي تقلب مقاصد العبد عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إني لأعرف معصيتي في خلق دابتي وامرأتي وفي لباسي، حتى في لبس الحذاء، فبعض السلف يقول: إذا لم تُلبس لك الحذاء من أول وهلة، فاعلم أنه لذنب ارتكبته.
وذكروا عن سهل التستري أو غيره: أنه ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال: أتدرون لم انقطعت؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: لكني أظنها بسبب وهو أني تركت غسل الجمعة، ثم عاد واغتسل.
وأخبروا ابن الجوزي بهذه القصة فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا، وكثرت ذنوبنا فلا ندري من أين أُتينا.
تكاثرت الظباء علىخراش فما يدري خراش ما يصيد
فالثوب الأبيض إذا نقطت فيه نقطة سوداء عرفت من كل مكان، أما الثوب الأسود فلطخ فيه ما شئت، لا يظهر عليه الأسود ولا الديزل ولا الشحم ولا الأحمر ولا البنفسجي.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } فالثوب الأبيض مثل المؤمن، والثوب الأسود مثل الفاجر الذي تلطخ من كل جهة، حتى إن بعض الناس إذا قلت له: لا تستمع الغناء قال: ليس معكم إلا مسألة الغناء! والحديث عن الغناء! الناس معاصيهم مثل الجبال، وأنت مع الغناء! وذلك لأن معاصيه مثل الجبال، فأصبح الغناء عنده شيئاً طبيعياً، تحدثه عن إسبال الثوب، قال: ألا تعرفون إلا الثوب؟! الحمد لله نحن أحسن من غيرنا، لو ذهبت أوروبا لرأيت المنكرات والدواهي، لأنه يقيس نفسه على بوش ، وريجن ، فيرى أنه أفضل منهم، فهو يشهد أن لا إله إلا الله، وهو يصلي الخمس فيرى أن له ميزة أو مزية.
فإذا علم ذلك، فلا بد من الدعاء ولو بالأمر السهل، حتى الصالحون كانوا إذا خرجوا من بيوتهم يدعون الله أن يسهل لهم أمورهم، ويفتح قلوب الناس لهم ويسخر لهم مطالبهم، ويهيئها، فإنها إن لم يهيئها الله لا تتهيأ.
يتبع